للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالُوا فِي الْمُضَارَبَةِ إذَا قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْبَزِّ إنَّ هَذَا الْوَاوَ لِعَطْفِ الْجُمْلَةِ لِلْحَالِ حَتَّى لَا تَصِيرَ شَرْطًا بَلْ تَصِيرُ مَشْهُورَةً وَيَبْقَى الْمُضَارَبَةُ عَامَّةً وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَحَمَلَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى إذَا طَلَّقَهَا وَجَبَ لَهُ الْأَلْفُ وَحَمَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى وَاوِ عَطْفِ الْجُمْلَةِ حَتَّى إذَا طَلَّقَهَا لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ وَلِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَاوَ قَدْ يُسْتَعَارُ لِلْبَاءِ كَمَا اُسْتُعِيرَ لَهُ فِي بَابِ الْقَسَمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَحُمِلَ عَلَى هَذَا الْمَجَازِ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُعَاوَضَةِ لِأَنَّ حَالَ الْخُلْعِ حَالُ الْمُعَاوَضَةِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِآخَرَ احْمِلْ هَذَا الطَّعَامَ إلَى مَنْزِلِي وَلَك دِرْهَمٌ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْبَاءِ أَيْ بِدِرْهَمٍ وَالثَّانِي أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُعَاوَضَةِ أَيْضًا لِيَصِيرَ شَرْطًا وَبَدَلًا

ــ

[كشف الأسرار]

أَيْضًا جَعَلْنَاهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ شُعْبَةٌ مِنْ إخْرَاجِ الْكَلَامِ لَا عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ وَأَنَّهُ يُورِثُ الْكَلَامَ مَلَاحَةً وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ وَأَنْتَ حُرٌّ وَقَوْلَهُ وَأَنْتَ آمِنٌ مِنْ الْأَحْوَالِ الْمُقَدَّرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: ٧٣] أَيْ مُقَدِّرِينَ الْخُلُودَ فِي حَالَةِ الدُّخُولِ لَا مِنْ الْأَحْوَالِ الْوَاقِعَةِ فَإِنَّ غَرَضَ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ عَدَمُ وُقُوعِ الْجِزْيَةِ وَالْأَمَانِ فِي الْحَالِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَدِّ إِلَيَّ أَلْفًا مُقَدِّرًا لِلْجِزْيَةِ فِي حَالَةِ الْأَدَاءِ وَانْزِلْ مُقَدِّرًا لِلْأَمَانِ فِي حَالَةِ النُّزُولِ وَلَمَّا أَثْبَتَ الْمُتَكَلِّمُ الْجِزْيَةَ وَالْأَمَانَ فِي حَالَتَيْ الْأَدَاءِ وَالنُّزُولِ كَانَا مُتَعَلِّقَيْنِ بِهِمَا وَمَعْدُومَيْنِ فِي الْحَالِ.

وَالثَّالِثُ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْوَاقِعَةَ حَالًا قَائِمَةٌ مَقَامَ جَوَابِ الْأَمْرِ بِدَلَالَةِ مَقْصُودِ الْمُتَكَلِّمِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهُ وَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا تَصِرْ حُرًّا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ الْجِزْيَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْأَدَاءِ وَالْأَمَانُ مُتَعَلِّقًا بِالنُّزُولِ تَعَلُّقَ الْإِكْرَامِ بِالْإِتْيَانِ فِي قَوْلِهِ ائْتِنِي أُكْرِمْك وَالرَّابِعُ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ حُرٌّ يُوجِبُ الْحُرِّيَّةَ لِلْحَالِ لَوْلَا قَوْلُهُ أَدِّ إلَيَّ كَذَا فَبِانْضِمَامِ هَذَا الْكَلَامِ إلَيْهِ تَأَخَّرَ الْعِتْقُ كَمَا يَتَأَخَّرُ بِانْضِمَامِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَيْهِ فَكَانَ قَوْلُهُ أَدِّ إِلَيَّ كَذَا بِمَنْزِلَةِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فِي تَأْخِيرِ الْجِزْيَةِ عَنْ وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَكَانَ كَالشَّرْطِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَذَكَرَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْجِزْيَةَ حَالًا لِلْأَدَاءِ أَيْ وَصْفًا لَهُ لَا يَثْبُتُ سَابِقًا عَلَيْهِ إذْ الْحَالُ لَا تَسْبِقُ ذَا الْحَالَ وَالصِّفَةُ لَا تَسْبِقُ الْمَوْصُوفَ قَوْلُهُ (إنَّهُ لِعَطْفِ الْجُمْلَةِ) أَيْ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ إذْ الْجُمْلَتَانِ خَبَرِيَّتَانِ هَهُنَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ لِأَنَّ حُرُوفَ التَّهَجِّي تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ. عَلَى احْتِمَالِ الْحَالِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ إلَى حَالِ الْمَرَضِ وَالْمَرَضُ يَصْلُحُ شَرْطًا لَهُ فَإِذَا نَوَى الْحَالَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ دِيَانَةً وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالِ مَرَضِك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالِ اشْتِغَالِك بِالصَّلَاةِ وَلَكِنْ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً) فِي الْبَزِّ أَيْ خُذْهُ مُضَارَبَةً وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْبَزِّ كَذَا لَفْظُ الْمَبْسُوطِ.

وَهَذِهِ الْوَاوُ لِعَطْفِ الْجُمْلَةِ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ هَهُنَا لِكَوْنِ الْجُمْلَتَيْنِ طَلَبِيَّتَيْنِ لَا لِلْحَالِ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحَالِ هَهُنَا لِأَنَّ حَالَ الْعَمَلِ لَا يَكُونُ وَقْتَ الْأَخْذِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْعَمَلُ بَعْدَ الْأَخْذِ مَعَ أَنَّ اسْتِعَارَتَهَا لِلْحَالِ لِتَصْحِيحِ الْكَلَامِ، وَالْكَلَامُ صَحِيحٌ هَهُنَا بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِ حَرْفِ الْوَاوِ عَلَى الْمَجَازِ فَيَكُونُ مَشُورَةً أَشَارَ بِهَا عَلَيْهِ لَا شَرْطًا فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَزُّ مَتَاعُ الْبَيْتِ مِنْ الثِّيَابِ خَاصَّةً عَنْ أَبِي دُرَيْدٍ وَعَنْ اللَّيْثِ ضَرْبٌ مِنْ الثِّيَابِ وَعَنْ الْجَوْهَرِيِّ هُوَ مِنْ الثِّيَابِ أَمْتِعَةُ الْبَزَّازِ وَالْبِزَازَةُ حِرْفَةٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْبَزُّ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثِيَابُ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ لَا ثِيَابُ الصُّوفِ وَالْخَزِّ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ قَوْلُهُ (أَحَدُهُمَا كَذَا) الْوَاوُ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْبَاءِ مَجَازًا كَمَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْقَسَمِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا صُورَةً وَمَعْنًى أَمَّا صُورَةً فَلِأَنَّ كِلَيْهِمَا شَفَوِيٌّ وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْجَمْعَ مَوْجُودٌ فِي الْإِلْصَاقِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْبَاءِ ثُمَّ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْبَاءُ الَّتِي تُؤَدِّي مَعْنَى الْإِلْصَاقِ دُونَ الْوَاوِ لِأَنَّهُ لَا يُعْطَفُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَالْخُلْعُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ وَلِهَذَا صَحَّ رُجُوعُ الْمَرْأَةِ قَبْلَ إيقَاعِ الزَّوْجِ فَبِدَلَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ حَمَلْنَاهَا عَلَى الْبَاءِ كَمَا فِي.

قَوْلِهِ احْمِلْ هَذَا الطَّعَامَ وَلَك دِرْهَمٌ حُمِلَتْ عَلَى الْبَاءِ حَتَّى كَانَ هَذَا وَقَوْلُهُ احْمِلْهُ بِدِرْهَمٍ سَوَاءً وَوَجَبَ الْمَالُ إذَا حَمَلَهُ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ إجَارَةً لَا اسْتِعَانَةً أَوْ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْحَالِ بِدَلَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ أَيْضًا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي الْعِوَضَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُجْعَلَ الْوَاوُ لِلْحَالِ لِيَصِيرَ وُجُوبُ الْأَلْفِ عَلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>