للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُ الْفَاءَ فِي الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ لَا مَحَالَةَ وَتَسْتَعْمِلُ فِي أَحْكَامِ الْعِلَلِ كَمَا يُقَالُ جَاءَ الشِّتَاءُ فَتَأَهَّبْ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعِلَّةِ وَيُقَالُ أَخَذْت كُلَّ ثَوْبٍ بِعَشَرَةٍ فَصَاعِدًا أَيْ كَانَ كَذَلِكَ فَازْدَادَ الثَّمَنُ صَاعِدًا مُرْتَفِعًا وَلَمَّا قُلْنَا إنَّ وُجُوهَ الْعَطْفِ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى صِلَاتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْفَاءُ مُخْتَصًّا بِمَعْنًى هُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ حَقِيقَةً وَذَلِكَ هُوَ التَّعْقِيبُ

ــ

[كشف الأسرار]

الثَّانِي مِنْ مُوجَبِ الْأَوَّلِ فَيَكُونَ بَعْدَهُ بِلَا فَصْلٍ كَقَوْلِهِ ضَرَبْته فَبَكَى لِأَنَّهُ مِنْ مُوجَبِ الضَّرْبِ وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ مُوجَبِ الْأَوَّلِ فَيَكُونَ بَعْدَ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُهْلَةٌ يَسِيرَةٌ كَقَوْلِك جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مَجِيءِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو مُهْلَةٌ يَسِيرَةٌ.

وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ مُوجَبِ الْأَوَّلِ وَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ كَقَوْلِك دَخَلْت الْبَصْرَةَ فَالْكُوفَةُ فَإِنَّ الثَّانِيَ بَعْدَهُ وَبَيْنَهُمَا قَدْرُ الْمَسَافَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ الثَّانِي عَقِيبَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (أَلَا تَرَى) تَوْضِيحٌ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ الْوَصْلِ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي الْآخَرِ بِهِ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْجَزَاءِ أَنْ يَتَعَقَّبَ نُزُولُهُ وُجُودَ الشَّرْطِ بِلَا فَصْلٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعِلَّةِ أَيْ بِلَا فَصْلٍ رُتْبَةً أَوْ زَمَانًا عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفُوا قَوْلُهُ (أَخَذْت كُلَّ ثَوْبٍ بِعَشَرَةٍ فَصَاعِدًا) مَعْنَى هَذَا أَنَّك اشْتَرَيْت عَدْلَ ثِيَابٍ وَوَقَعَ سِعْرُ أَوَّلِ ثَوْبٍ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ غَلَا السِّعْرُ فَزَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَتَقُولُ أَخَذْت كُلَّ ثَوْبٍ بِعَشَرَةٍ فَصَاعِدًا فَقَوْلُهُ فَصَاعِدًا انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ بِعَامِلٍ مُضْمَرٍ وَالتَّقْدِيرُ كَانَ الْأَخْذُ بِعَشَرَةٍ فَازْدَادَ الثَّمَنُ عَقِيبَ الْأَخْذِ صَاعِدًا مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ أَوْ ذَهَبَ الثَّمَنُ صَاعِدًا وَلَيْسَ انْتِصَابُ صَاعِدًا عَلَى الْعَطْفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَّا ذِكْرُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَالْعَشَرَةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَطْفُهُ عَلَى الْفَاعِلِ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَكَذَا عَلَى الْمَفْعُولِ مَعْنًى إذْ لَيْسَ الْغَرَضُ أَنَّك أَخَذْت الْمُثَمَّنَ وَالصَّاعِدَ لِأَنَّ الصَّاعِدَ هُوَ الثَّمَنُ وَكَذَا عَلَى الْعَشَرَةِ لَفْظًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَذَا مَعْنًى لِأَنَّك لَمْ تُرِدْ أَنَّك أَخَذْت الْمُثْمَنَ بِعَشَرَةٍ فَتَصَاعُدًا وَإِنَّمَا أَرَدْت أَنَّك أَخَذْت بَعْضَهُ بِعَشَرَةٍ وَبَعْضَهُ بِأَكْثَرَ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ فَازْدَادَ الثَّمَنُ صَاعِدًا أَيْ ذَهَبَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْبَعْضِ.

قَوْلُهُ (وُجُوهُ الْعَطْفِ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى صِلَاتِهِ) أَرَادَ بِالصَّلَاةِ الْحُرُوفَ يَعْنِي قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَنْوَاعَ الْعَطْفِ انْقَسَمَتْ عَلَى حُرُوفِ الْعَطْفِ وَأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مُخْتَصٌّ بِمَعْنًى فِي أَصْلِ الْوَضْعِ فَالْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْعَطْفِ وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ التَّرَاخِي فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْفَاءُ لِمَعْنًى اُخْتُصَّ بِهِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ وَذَلِكَ هُوَ التَّعْقِيبُ بِصِفَةِ الْوَصْلِ إذْ لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَفْظٌ آخَرُ وَالِاشْتِرَاكُ خِلَافُ الْأَصْلِ لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ وَلِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ مِنْك بِكَذَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي فَهُوَ حُرٌّ إنَّهُ يَعْتِقُ وَيُجْعَلُ الرَّجُلُ قَابِلًا لِلْبَيْعِ ثُمَّ مُعْتِقًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْحُرِّيَّةَ بِحَرْفِ الْفَاءِ عَقِيبَ الْإِيجَابِ وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ وَلَا يَتَرَتَّبُ الْعِتْقُ عَلَى الْإِيجَابِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَبُولِ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ قَبِلْت فَهُوَ حُرٌّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُوَ حُرٌّ أَوْ وَهُوَ حُرٌّ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ التَّعْقِيبَ فَبَقِيَ مُحْتَمِلًا لِرَدِّ الْإِيجَابِ بِأَنْ جَعَلَهُ إخْبَارًا عَنْ الْحُرِّيَّةِ الْبَاقِيَةِ قَبْلَ الْإِيجَابِ وَلِقَبُولِ الْبَيْعِ بِأَنْ جُعِلَ إنْشَاءً لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ فَلَا يَثْبُتُ الْقَبُولُ بِالشَّكِّ.

قَوْلُهُ (فَإِذَا هُوَ لَا يَكْفِيهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ فَبِذِكْرِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ شَارِطٌ لِلْكِفَايَةِ فِي الْإِذْنِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَطْعٍ مُرَتَّبٍ عَلَى الْكِفَايَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَفَانِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِذَا لَمْ يَكْفِهِ قَمِيصًا كَانَ الْقَطْعُ حَاصِلًا بِغَيْرِ إذْنٍ فَكَانَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ اقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ فَإِذَا هُوَ لَا يَكْفِيهِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ قَوْلَهُ اقْطَعْهُ إذْنٌ مُطْلَقٌ فَلَا يَكُونُ الْقَطْعُ بَعْدَهُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِأَنَّ الْغُرُورَ بِمُجَرَّدِ الْخَبَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>