للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَقَالَ الْآخَرُ فَهُوَ حُرٌّ إنَّهُ قَبُولٌ لِلْبَيْعِ وَلَوْ قَالَ هُوَ حُرٌّ أَوْ وَهُوَ حُرٌّ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَقَالَ مَشَايِخُنَا فِيمَنْ قَالَ لِخَيَّاطٍ اُنْظُرْ إلَى هَذَا الثَّوْبِ أَيَكْفِينِي قَمِيصًا فَنَظَرَ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ فَاقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ فَإِذَا هُوَ لَا يَكْفِيهِ إنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا لَوْ قَالَ فَإِنْ كَفَانِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ فَإِذَا هُوَ لَا يَكْفِيهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَلِذَلِكَ قَالُوا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى التَّرْتِيبِ فَتَبِينُ بِالْأُولَى وَلِذَلِكَ اخْتَصَّ الْفَاءُ بِعَطْفِ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَلِ كَمَا يُقَالُ أَطْعَمْته فَأَشْبَعْته أَيْ بِهَذَا الْإِطْعَامِ وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ مُعْتَقًا حُكْمٌ لِلشِّرَى بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ، فَهَذِهِ الدَّارَ، فَعَبْدِي حُرٌّ إنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَدْخُلَ الْأَخِيرَةَ بَعْدَ الْأُولَى مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ.

ــ

[كشف الأسرار]

إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ ضَمَانٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْغَارِّ كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الطَّرِيقُ آمِنٌ فَسَلَكَ فِيهِ فَأَخَذَ اللُّصُوصُ مَتَاعَهُ لَا يَضْمَنُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (فَتَبِينُ بِالْأَوَّلِ) قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ ثِنْتَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِمُوجَبِ الْفَاءِ هَهُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ الْأَجْزِيَةَ لَا يَتَرَتَّبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيُجْعَلُ الْفَاءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ مَجَازًا وَحُكْمُهُ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا عَرَفْت وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَيَثْبُتُ بِهِ تَرْتِيبٌ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي الْوُقُوعِ كَمَا لَوْ قَالَ بِكَلِمَةِ بَعْدَ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِإِيقَاعِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى وَمَعَ إمْكَانِ اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ لَا مَعْنَى لِلْمَصِيرِ إلَى الْمَجَازِ كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ وَلِمَعْنَى التَّعْقِيبِ اخْتَصَّ الْفَاءَ بِكَذَا إنَّمَا أَعَادَ هَذَا الْكَلَامَ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ ذِكْرَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ وَبِظَاهِرِهِ تَمَسَّكَ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ مِنْهُمْ دَاوُد الْأَصْبَهَانِيُّ فَقَالُوا إنَّ الرَّجُلَ إذَا مَلَكَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتِقَهُ وَلَكِنْ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ قَبْلَ إعْتَاقِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَيَعْتِقَهُ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ إعْتَاقَهُ وَلَوْ عَتَقَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ فَيَعْتِقَهُ مَعْنًى وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً فَلَا تَمْنَعُ الْبَقَاءَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَمَّا مَنَعَتْ بَقَاءَ مِلْكِ النِّكَاحِ مَنَعَتْ ثُبُوتَهُ ابْتِدَاءً وَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إعْتَاقٍ لِمَا عُرِفَ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ الْإِعْتَاقُ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَا يُقَالُ أَطْعَمَهُ فَأَشْبَعَهُ وَسَقَاهُ فَرَوَاهُ وَعَلَّمَهُ فَهَدَاهُ وَضَرَبَ فَأَوْجَعَ وَكَتَبَ فَقَرْمَطَ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا بِهِ الْمِلْكَ ابْتِدَاءً لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعُبُودِيَّةِ وَثُبُوتَ الْعِتْقِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهُ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ مِلْكِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ النِّكَاحِ لَهُ عَلَى ابْنَتِهِ ثُمَّ إزَالَتِهِ لِأَنَّهَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَأَطْعَمْته فَأَشْبَعْته) أَيْ بِهَذَا الْإِطْعَامِ إذْ لَوْ كَانَ الْإِشْبَاعُ بِغَيْرِ هَذَا الْإِطْعَامِ لَمْ يَكُنْ الْإِشْبَاعُ مُتَّصِلًا بِهَذَا الْإِطْعَامِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُوجَبِ الْفَاءِ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ مُتَّصِلًا بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ زَمَانٍ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا فَلَوْ شُرِطَ إعْتَاقٌ ابْتِدَائِيٌّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ عَمَلًا بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ مُتَّصِلًا بِالشِّرَاءِ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ إعْتَاقًا حَتَّى يُتِمَّ كَلَامَهُ فَيَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمُقْتَضَى الْفَاءِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ.

قَوْلُهُ (فَدَلَّ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلُهُ فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ مُعْتِقًا حُكْمٌ لِلشِّرَاءِ كَالْإِشْبَاعِ فِي قَوْلِهِ أَطْعَمَهُ فَأَشْبَعَهُ وَقَوْلُهُ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ احْتِرَازٌ عَمَّا يُقَالُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ حُكْمًا لِلشِّرَاءِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَوْضُوعٌ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ إزَالَةٌ لَهُ فَكَانَ مُنَافِيًا لَهُ وَالْمُنَافِي لِحُكْمِ الشَّيْءِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ فَقَالَ إنَّهُ بِنَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ حُكْمًا لَهُ وَلَكِنَّهُ يَصْلُحُ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَصِيرُ مُتَمَلِّكًا وَالْمِلْكُ فِي الْقَرِيبِ إكْمَالٌ لِعِلَّةِ الْعِتْقِ فَيَصِيرُ الْعِتْقُ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ وَإِذَا صَارَ مُضَافًا إلَيْهِ يَصِيرُ بِهِ مُعْتِقًا لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحُكْمِ بِوَاسِطَةٍ كَالْمُوجِبِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فِي كَوْنِ الْحُكْمِ مُضَافًا إلَيْهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعْتَاقٍ آخَرَ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ وَإِذَا اشْتَرَاهُ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ أَيْضًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

وَإِنَّمَا حَصَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَازَاةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>