فَالْفَاءُ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّ جَوَازَهُ بِالْفَاءِ أَقْرَبُ وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إنَّ هَذَا عَلَى الِاخْتِلَافِ مِثْلُ مَا اخْتَلَفُوا فِي الْوَاوِ إلَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ أَوْلَى فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا الِاتِّفَاقَ فِي هَذَا وَإِذَا قَدَّمَ الْجَزَاءَ بِحَرْفِ الْفَاءِ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا. .
ــ
[كشف الأسرار]
تَرْكُ حَقِيقَةِ الْكَلَامِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّقَ التَّكْفِيرَ بِأَمْرَيْنِ بِالْحَلِفِ وَبِرُؤْيَةِ الْحِنْثِ خَيْرًا وَجَوَازُ التَّعْجِيلِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَيْرِيَّةِ عَلَى أَصْلِهِمْ وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ عِبَارَةً عَنْ الْوَاوِ مَجَازًا دُونَ الْفَاءِ مَعَ أَنَّ الْفَاءَ أَقْرَبُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْفَاءَ يُوجِبُ تَرْتِيبًا أَيْضًا فَلَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ إذْ يَبْقَى الْأَمْرُ غَيْرَ مُوجَبٍ كَمَا كَانَ وَلَا يُقَالُ لَمَّا صَارَ بِمَعْنَى الْوَاوِ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ كَيْفَ مَا كَانَ عَمَلًا بِمُطْلَقِ الْعَطْفِ لِأَنَّا إنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَاوِ لِيَبْقَى الْأَمْرُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَوْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ كَيْفَ مَا كَانَ لَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ فَجَعَلْنَاهُ مُقَيَّدًا بِتَرْتِيبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ وَإِنْ صَارَ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِيَبْقَى الْأَمْرُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلِيَتَوَافَقَ الرِّوَايَتَانِ.
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ» الْيَمِينُ خِلَافُ الْيَسَارِ فِي الْأَصْلِ وَسُمِّيَ الْقَسَمُ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَاسَحُونَ بِأَيْمَانِهِمْ حَالَةَ التَّحَالُفِ وَقَدْ يُسَمَّى الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَمِينًا لِتَلَبُّسِهِ بِهَا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ» وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ فِي جَمِيعِ الْمَعَانِي كَذَا فِي الْمُغْرِبِ قَوْلُهُ (فَالْفَاءُ بِهِ أَوْلَى) أَيْ الْوَاوُ أَوْلَى مِنْ ثُمَّ لِأَنَّ جَوَازَ الْفَاءِ بِالْوَاوِ أَقْرَبُ مِنْ جَوَازِ ثُمَّ بِالْوَاوِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَمَعْنَى الْجَمْعِ فِي التَّعْقِيبِ مَعَ الْوَصْلِ أَقْرَبُ مِنْهُ فِي التَّعْقِيبِ مَعَ الْفَصْلِ فَكَانَ أَحَقَّ بِجَوَازِ الِاسْتِعَارَةِ لِلْوَاوِ مِنْ ثُمَّ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ كَمَا لَوْ قَالَ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَلِهَذَا أَيْ وَلِقُرْبِ جَوَازِهِ بِالْوَاوِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْهُمْ الطَّحَاوِيُّ إنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِتَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَقَعُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثٌ إلَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ أَوْلَى يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ تَعَذُّرَ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُتَعَذِّرَةً كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ أَوْلَى فَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاتِّفَاقِ لَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ فِي كَلَامِهِ تَنْصِيصًا عَلَى أَنَّ الثَّانِيَةَ تَعْقُبُ الْأُولَى فَتَبِينُ الْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ بِخِلَافِ الْوَاوِ.
وَإِذَا قَدَّمَ الْجَزَاءَ بِحَرْفِ الْفَاءِ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا أَيْ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً بِالِاتِّفَاقِ كَمَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ لِأَنَّ مُوجَبَ الْفَاءِ لَمَّا كَانَ هُوَ التَّرْتِيبُ كَانَ النُّزُولُ عَلَى التَّرْتِيبِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا يَتَفَاوَتُ الْأَمْرُ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْجَزَاءِ وَتَأْخِيرِهِ وَعِنْدَ أُولَئِكَ الْبَعْضِ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا إذَا قَدَّمَ الْجَزَاءَ بِحَرْفِ الْوَاوِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِالِاتِّفَاقِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ بِحَرْفِ الْفَاءِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَابَهُ فِي الْكِتَابِ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ الْكُلِّ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ مَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ فَبِالْإِجْمَاعِ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ بِكَلِمَةِ الْوَاوِ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ الْوَصْلَ فَإِذَا ذَكَرَ بِكَلِمَةِ الْفَاءِ وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْوَصْلَ أَوْلَى وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ أَوْ قَالَ بِحَرْفِ الْفَاءِ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا فَدَخَلَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute