للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ أَوْ بَلْ ثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ قَصَدَ إثْبَاتَ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَمْلِكْ لِأَنَّهَا بَانَتْ وَلِهَذَا قَالُوا جَمِيعًا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ أَوْ بَلْ ثِنْتَيْنِ إنَّهَا إذَا دَخَلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ هَذَا لَمَّا كَانَ لِإِبْطَالِ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ كَانَ مِنْ قَضِيَّتِهِ اتِّصَالُهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ لَكِنْ بِشَرْطِ إبْطَالِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إبْطَالُ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ فِي وُسْعِهِ إفْرَادُ الثَّانِي بِالشَّرْطِ لِيَتَّصِلَ بِهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ كَأَنَّهُ قَالَ لَا بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَصِيرُ كَالْحَلِفِ بِالْيَمِينَيْنِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إنَّهَا تَبِينُ بِالْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَوَّلِ فَيَصِيرُ مَعْطُوفًا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَكَةِ فَيَصِيرُ مُتَّصِلًا بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِوَاسِطَةٍ وَلَا يَصِيرُ مُنْفَرِدًا بِشَرْطِهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّرِكَةِ فِي اتِّحَادِ الشَّرْطِ فَيَصِيرُ الثَّانِي مُتَّصِلًا بِهِ بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ فَقَدْ جَاءَ التَّرْتِيبُ وَيَتَّصِلُ بِهَذَا أَنَّ الْعَطْفَ مَتَى تَعَارَضَ لَهَا شَبَهَانِ اُعْتُبِرَ أَقْوَاهُمَا لُغَةً

ــ

[كشف الأسرار]

اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَالِ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَعَادَ الْقَدْرَ الْأَوَّلَ وَزَادَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّفَقَ الْجِنْسُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ حَجَجْت حَجَّةً لَا بَلْ عُمْرَتَيْنِ وَبِخِلَافِ الطَّلَاقِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ أَيْ إخْرَاجٌ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ وَبَعْدَمَا ثَبَتَ وُجُودُ شَيْءٍ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ غَيْرَ مَوْجُودٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِدْرَاكُهُ حَتَّى لَوْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ كَانَ إقْرَارًا بِالثِّنْتَيْنِ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لَهُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا إنَّ الْغَلَطَ فِي الْإِخْبَارِ قَدْ يَتَمَكَّنُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفَانِ بَلْ أَلْفٌ أَوْ عَلَيَّ أَلْفُ دِينَارٍ لَا بَلْ زُيُوفٌ يَلْزَمُهُ أَزْيَدُ الْمَالَيْنِ وَأَفْضَلُهُمَا وَهُمَا الْأَلْفَانِ وَالْجِيَادُ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّهُ قَصَدَ اسْتِدْرَاكَ الْغَلَطِ بِالرُّجُوعِ عَنْ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا أَوْ وَصَفَهُ فَلَمْ يَعْمَلْ وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهِ لِلْإِعْرَاضِ عَمَّا قَبْلَهُ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ قُلْنَا إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَلْ ثِنْتَيْنِ إنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ قَصَدَ الرُّجُوعَ عَنْ الْأَوَّلِ بِإِثْبَاتِ الثَّانِي مَقَامَهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّجُوعِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ وَلَا عَلَى إقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ وَإِيقَاعِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا بِوُقُوعِ الْأَوَّلِ فَلَغَا آخِرُ كَلَامِهِ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِمَا ذَكَرْنَا قَالُوا جَمِيعًا إلَى آخِرِهِ.

قَالَ أَبُو الْيُسْرِ إنَّمَا يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ عِنْدَ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَدْ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ فَإِذَا قَالَ لَا بَلْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَدْ قَصَدَ الرُّجُوعَ وَإِقَامَةَ التَّطْلِيقَتَيْنِ مَقَامَهُ فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ وَتَعْلِيقُ الثِّنْتَيْنِ بِالشَّرْطِ يَصِحُّ لِأَنَّهُ فِي وُسْعِهِ وَقَدْ أَتَى بِهِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْهُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الشَّرْطَ ثَبَتَ هُنَا مَذْكُورًا إلَّا أَنَّهُ حُذِفَ اخْتِصَارًا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَدَخَلَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً تَقَعُ الثَّلَاثُ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْوَاوَ مَا وُضِعَتْ لِلِاسْتِدْرَاكِ وَلَكِنَّهَا لِلْعَطْفِ فَالْأَوَّلُ تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالثَّانِي تَعَلَّقَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِوَاسِطَةٍ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ نَزَلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَعَلَّقَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ إنَّمَا يُجْعَلُ مُكَرَّرًا إمَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ لِأَنَّ اللَّفْظَ دَالٌّ عَلَيْهِ لُغَةً أَمَّا الضَّرُورَةُ فَمِثَالُهُ قَوْلُهُ جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو. ثَبَتَ مَجِيءُ كُلِّ وَاحِدٍ مُنْفَرِدًا ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مَجِيئُهُمَا بِمَجِيءِ وَاحِدٍ وَأَمَّا مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لُغَةً فَحَرْفُ (بَلْ) فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ لُغَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَيْ إنَّهُ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ يَمِينَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ الشَّرْطُ مُدْرَجًا صَارَ مَعْطُوفًا وَهُوَ يَقْتَضِي الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِدُونِهِ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَثْبُتُ الْوَاسِطَةُ ح بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مُوجَبَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ بَلْ مُوجَبُهَا مَا ذَكَرْنَا فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعَادَ الشَّرْطَ وَهَذَا تَعْلِيلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ قَالَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ (لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ) إنْ دَخَلْت قَوْلُهُ (وَيَتَّصِلُ بِهَذَا) أَيْ بِبَابِ الْعَطْفِ أَنَّ الْعَطْفَ مَتَى تَعَارَضَ لَهُ شَبَهَانِ أَيْ جِهَتَانِ اُعْتُبِرَ أَقْوَاهُمَا لُغَةً وَإِنْ بَعُدَ ذَلِكَ الشَّبَهُ لِأَنَّ الْقُرْبَ لَا يُقَابِلُ الْقُوَّةَ فَيُعْتَبَرُ الْقُوَّةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْقُرْبُ ثَانِيًا نَحْوُ الْكِنَايَةِ تَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْكَلَامِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَقْوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>