للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ اسْتَوَيَا اُعْتُبِرَ أَقْرَبُهُمَا مِثَالُهُ مَا قَالَ فِي الْجَامِعِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا بَلْ هَذِهِ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ جُعِلَ عَطْفًا عَلَى الْجَزَاءِ دُونَ الشَّرْطِ لِأَنَّا لَوْ عَطَفْنَاهُ عَلَى الشَّرْطِ كَانَ قَبِيحًا لِأَنَّهُ ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ مُتَّصِلٌ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ بِالضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمُنْفَصِلِ وَهُوَ التَّاءُ فِي قَوْلِهِ دَخَلْت وَذَلِكَ قَبِيحٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: ٣٥] فَأَكَّدَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَاعِلَ مَعَ الْفِعْلِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَإِذَا كَانَ ضَمِيرُهُ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ تَأَكَّدَ الشَّبَهُ بِالْعَدَمِ فَقَبُحَ الْعَطْفُ بِخِلَافِ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ يَتِمُّ الْكَلَامُ بِدُونِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا نَظِيرُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ضَرَبْتُك لَا بَلْ هَذِهِ يَنْصَرِفُ إلَى الثَّانِيَةِ فَإِذَا عَطَفْنَاهُ عَلَى الْجَزَاءِ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى ضَمِيرٍ مَرْفُوعٍ مُنْفَصِلٍ وَذَلِكَ أَحْسَنُ فَلِذَلِكَ قَدَّمْنَاهُ

ــ

[كشف الأسرار]

كَقَوْلِك رَأَيْت ابْنَ زَيْدٍ وَكَلَّمْته يَنْصَرِفُ الْكِنَايَةُ إلَى الِابْنِ دُونَ زَيْدٍ ثُمَّ إلَى الْمَكْنِيِّ الْأَقْرَبِ ثَانِيًا وَكَمَا فِي الْعَصَبَاتِ يُعْتَبَرُ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ أَوَّلًا ثُمَّ الْقُرْبُ ثَانِيًا مِثَالُهُ رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ فَقَالَ لِأَحَدَيْهِمَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا بَلْ هَذِهِ مُشِيرًا إلَى الْمَرْأَةِ الْأُخْرَى لَا إلَى دَارٍ أُخْرَى أَنَّهُ أَيْ قَوْلُهُ لَا بَلْ هَذِهِ يُجْعَلُ عَطْفًا عَلَى الْجَزَاءِ دُونَ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ الْأُولَى الدَّارَ طَلُقَتَا جَمِيعًا وَلَوْ دَخَلَتْ الْأُخْرَى لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَلِهَذَا الْكَلَامِ وُجُوهٌ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا أَنْ يُجْعَلَ مَعْطُوفًا عَلَى الْجَزَاءِ وَتَقْدِيرُهُ لَا بَلْ هَذِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالثَّانِي أَنْ يُجْعَلَ مَعْطُوفًا عَلَى الشَّرْطِ وَتَقْدِيرُهُ لَا بَلْ هَذِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالثَّالِثُ أَنْ يُجْعَلَ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَجْمُوعِ وَتَقْدِيرُهُ لَا بَلْ هَذِهِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَكُونُ طَلَاقُهَا مُعَلَّقًا بِدُخُولِهَا وَالْكَلَامُ لَا يُحْمَلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِحَالٍ وَيُحْمَلُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي عِنْدَ وُجُودِ النِّيَّةِ فَإِذَا عَدِمَتْ حُمِلَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ اسْتِدْلَالًا بِغَرَضِ الْمُتَكَلِّمِ وَصِيغَةِ الْكَلَامِ.

أَمَّا الِاسْتِدْلَال بِالْغَرَضِ فَهُوَ أَنَّ كَلِمَةَ بَلْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّدَارُكِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ تَدَارُكَ أَعْظَمِ الْأَمْرَيْنِ وَالْغَلَطُ فِي الْجَزَاءِ أَهَمُّ وَأَعْظَمُ مِنْ الْغَلَطِ فِي الشَّرْطِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ لِلرُّجْحَانِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِصِيغَةِ الْكَلَامِ فَهُوَ أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ بَارِزًا كَانَ أَوْ مُسْتَتِرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَكَّدَ بِضَمِيرٍ مَرْفُوعٍ مُنْفَصِلٍ قَبِيحٌ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا تَقُولُ الْعَرَبُ فَعَلْت أَنَا وَزَيْدٌ وَقَلَّمَا تَقُولُ فَعَلْت وَزَيْدٌ بَلْ هُوَ شَيْءٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: ٣٥] {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ} [المؤمنون: ٢٨] فَلَمْ يَعْطِفْ عَلَى الضَّمِيرِ حَتَّى أَكَّدَهُ بِالْمُنْفَصِلِ وَإِنَّمَا وَجَبَ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْعَطْفِ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِيُفِيدَ الْعَطْفُ فَائِدَتَهُ وَهُوَ التَّشْرِيكُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى وَلِهَذَا لَا يُعْطَفُ الِاسْمُ عَلَى الْفِعْلِ وَلَا عَلَى الْعَكْسِ ثُمَّ الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ الْمُتَّصِلُ بِمَنْزِلَةِ الْجُزْءِ مِنْ الْكَلِمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ إعْرَابَ الْفِعْلِ يَقَعُ بَعْدَ هَذَا الضَّمِيرِ فِي نَحْوِ يَضْرِبَانِ وَيَضْرِبُونَ إذْ النُّونُ فِيهِمَا بَدَلٌ عَنْ الرَّفْعِ فِي يَضْرِبُ.

وَأَلَا تَرَى أَنَّهُمْ أَسْكَنُوا لَامَ الْفِعْلِ مَعَ هَذَا الضَّمِيرِ فَقَالُوا ضَرَبْت وَضَرَبْنَا احْتِرَازًا عَنْ تَوَالِي الْحَرَكَاتِ وَإِنَّمَا يُحْتَرَزُ عَنْهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا فِي كَلِمَتَيْنِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْفِعْلِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْعَطْفُ عَلَيْهِ عَطْفًا عَلَى الْفِعْلِ فِي الظَّاهِرِ فَوَجَبَ تَأْكِيدُهُ بِالْمُنْفَصِلِ لِيَكُونَ عَطْفًا لِلِاسْمِ عَلَى الِاسْمِ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ وَالْفَاعِلَ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ لِافْتِقَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ إذْ الْفِعْلُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْفَاعِلِ وَمَنْ قَامَ بِهِ الْفِعْلُ لَا يَتَّصِفُ بِالْفَاعِلِيَّةِ بِدُونِ الْفِعْلِ فَكَانَ لَهُ فِي ذَاتِهِ شَبَهٌ بِالْعَدَمِ نَظَرًا إلَى افْتِقَارِهِ إلَى الْفِعْلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ مُظْهَرًا مُنْفَصِلًا لَا يُعْبَأُ بِهَذَا الشَّبَهِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ فَإِذَا كَانَ غَيْرَ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ ضَمِيرًا مُسْتَكِنًّا أَوْ بَارِزًا مُتَّصِلًا تَأَكَّدَ الشَّبَهُ بِالْعَدَمِ وَالْعَطْفُ عَلَى الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً بَاطِلٌ فَعَلَى مَا تَأَكَّدَ شَبَهُهُ بِالْعَدَمِ كَانَ قَبِيحًا فَوَجَبَ التَّأْكِيدُ بِالْمُنْفَصِلِ لِيَحْصُلَ الْعَطْفُ عَلَى الْمَوْجُودِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ الْمُتَّصِلِ حَيْثُ جَازَ مِنْ غَيْرِ مُؤَكِّدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>