للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

كَقَوْلِك ضَرَبْته وَزَيْدًا لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ لَفْظًا لَا تَقْدِيرًا لِأَنَّ الْمَفْعُولَ فَضْلَةٌ فِي الْكَلَامِ فَكَانَ مُنْفَصِلًا فِي التَّقْدِيرِ وَلِذَلِكَ لَا يُغَيَّرُ لَهُ الْكَلِمَةُ فَإِنَّك تَقُولُ ضَرَبَك وَضَرَبَنَا فَيَكُونُ الْبَاءُ عَلَى حَالِهَا فَلِذَلِكَ جَازَ الْعَطْفُ عَلَيْهِ فَأَمَّا مَا نَحْنُ فِي بَيَانِهِ فَمُتَّصِلٌ لَفْظًا وَتَقْدِيرًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْفَاعِلَ كَالْجُزْءِ مِنْ الْفِعْلِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْسُنْ الْعَطْفُ عَلَيْهِ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا عَطَفْنَا قَوْلَهُ لَا بَلْ هَذِهِ عَلَى الشَّرْطِ صَارَ عَطْفًا عَلَى التَّاءِ فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت وَهُوَ ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ مُتَّصِلٌ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ بِالْمُنْفَصِلِ وَلَوْ عَطَفْنَاهُ عَلَى الْجَزَاءِ صَارَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ فَأَنْتِ وَهُوَ ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ مُنْفَصِلٌ فَكَانَ هَذَا أَوْلَى.

فَإِنْ قِيلَ قَدْ جُعِلَ الْفَاصِلُ قَائِمًا مَقَامَ الْمُؤَكِّدِ فِي جَوَازِ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ مِنْ غَيْرِ قَبِيحٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ - وَامْرَأَتُهُ} [المسد: ٣ - ٤] فَقَوْلُهُ امْرَأَتُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي سَيَصْلَى عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ (حَمَّالَةَ) بِالنَّصْبِ وَجَازَ ذَلِكَ لِلْفَاصِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ {نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد: ٣] وَكَذَا وَلَا آَبَاؤُنَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام: ١٤٨] مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي أَشْرَكْنَا لِلْفَاصِلِ وَهُوَ كَلِمَةُ لَا وَكَذَا وَآَبَاؤُنَا فِي قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا} [النمل: ٦٧] مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي كُنَّا بِاعْتِبَارِ الْفَاصِلِ وَهُوَ تُرَابًا إلَى غَيْرِهَا مِنْ النَّظَائِرِ وَهَهُنَا قَدْ وُجِدَ الْفَاصِلُ وَهُوَ لَفْظَةُ الدَّارِ وَكَلِمَةُ لَا فَيَقْتَضِي جَوَازَ الْعَطْفِ عَلَى التَّاءِ فِي دَخَلْت مِنْ غَيْرِ قُبْحٍ كَمَا جَازَ عَلَى أَنْتَ وَاسْتِوَاءَ الشَّبَهَيْنِ فِي صِحَّةِ الْعَطْفِ وَإِذَا اسْتَوَيَا تَرَجَّحَ الْعَطْفُ عَلَى الشَّرْطِ بِالْقُرْبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ضَرَبْتُك لَا بَلْ هَذِهِ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي ضَرَبْتُك لَا عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ حَتَّى كَانَ طَلَاقُ الْأُولَى مُعَلَّقًا بِضَرْبِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَا تَطْلُقُ الثَّانِيَةُ بِحَالٍ لِاسْتِوَاءِ الْجِهَتَيْنِ وَتَرَجُّحِ الْأَخِيرَةِ بِالْقُرْبِ قُلْنَا إنَّمَا جُعِلَ الْفَاصِلُ قَائِمًا مَقَامَ الْمُؤَكِّدِ فِي جَوَازِ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ مِنْ غَيْرِ قُبْحٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْكَلَامِ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ آخَرُ أَقْوَى مِنْهُ فَأَمَّا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ فَالْعَطْفُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ وُجِدَ الْأَقْوَى وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ فِي صِحَّةِ الْعَطْفِ عَلَيْهِ إلَى مُؤَكِّدٍ وَلَا فَاصِلٍ فَكَانَ أَوْلَى مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْعَطْفُ عَلَى الْأَقْوَى فَحِينَئِذٍ يُصَارُ إلَى مَا دُونَهُ فِي الدَّرَجَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا بَلْ فُلَانٌ فَيَتَعَيَّنُ الْعَطْفُ عَلَى الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ ضَمِيرًا مَرْفُوعًا مُتَّصِلًا لِتَعَذُّرِ الْعَطْفِ عَلَى الْجَزَاءِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ.

وَقَدْ جَاءَ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فِي قَوْلِهِ:

قُلْت إذْ أَقْبَلَتْ وَزَهْرٌ تَهَادَى ... كَنِعَاجِ الْمَلَا تَعَسَّفْنَ رَمْلَا

فَمَعَ الْفَصْلِ أَوْلَى ثُمَّ إنَّهُ إنْ نَوَى الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَهُوَ الْعَطْفُ عَلَى الشَّرْطِ صَحَّ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَإِنْ دَخَلَتْ الثَّانِيَةُ أَوْ الْأُولَى الدَّارَ طَلُقَتْ الْأُولَى وَاحِدَةً وَلَوْ دَخَلَتَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ دَخَلَتْ الْأُولَى طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ أَيْضًا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِ الطَّلَاقِ عَنْ الثَّانِيَةِ بِدُخُولِ الْأُولَى لِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِظَاهِرِ الْعَطْفِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِهِ وَإِنَّمَا صَدَّقْنَاهُ فِيمَا فِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ دُونَ التَّخْفِيفِ وَإِنْ نَوَى الْوَجْهَ الثَّالِثَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْعَطْفِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْقِيَامُ مَقَامَ الْأَوَّلِ فِي الَّذِي تَمَّ بِهِ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ فَإِذَا تَعَذَّرَ إبْطَالُ الْأَوَّلِ وَجَبَ الشَّرِكَةُ فِي ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>