للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرَ أَنَّ الْعَطْفَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عِنْدَ اتِّسَاقِ الْكَلَامِ فَإِذَا اتَّسَقَ الْكَلَامُ تَعَلَّقَ النَّفْيُ بِالْإِثْبَاتِ الَّذِي وُصِلَ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ مِثَالُهُ مَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْجَامِعِ فِي رَجُلٍ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَأَقَرَّ أَنَّهُ لِفُلَانٍ فَقَالَ فُلَانٌ مَا كَانَ لِي قَطُّ لَكِنَّهُ لِفُلَانٍ آخَرَ فَإِنْ وُصِلَ الْكَلَامُ فَهُوَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي وَإِنْ فُصِلَ يُرَدُّ عَلَى الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا عَنْ نَفْسِهِ أَصْلًا فَيَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا إلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ فَإِذَا وُصِلَ كَانَ بَيَانًا أَنَّهُ نَفَاهُ إلَى الثَّانِي وَإِذَا فُصِلَ كَانَ مُطْلَقًا فَصَارَ تَكْذِيبًا لِلْمُقِرِّ وَقَالُوا فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ بِدَارٍ بِالْبَيِّنَةِ إذَا قَالَ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ

ــ

[كشف الأسرار]

بَعْدَ النَّفْيِ وَهَذَا فِي عَطْفِ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُفْرَدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ جُمْلَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ جَازَ الِاسْتِدْرَاكُ بِلَكِنْ فِي الْإِيجَابِ أَيْضًا كَقَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَأْتِ فَقَوْلُك عَمْرٌو لَمْ يَأْتِ جُمْلَةٌ مَنْفِيَّةٌ وَمَا قَبْلَ لَكِنْ جُمْلَةٌ مُوجَبَةٌ فَقَدْ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ وَعَمْرٌو فِي قَوْلِك لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَأْتِ، مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَلَمْ يَأْتِ خَبَرُهُ وَكَذَا قَوْلُك ضَرَبْت زَيْدًا لَكِنْ لَمْ أَضْرِبْ عَمْرًا فَعَمْرًا مَنْصُوبٌ بِلَمْ أَضْرِبْ وَلَيْسَ لِحَرْفِ الْعَطْفِ فِيهِ حَظٌّ كَمَا يَكُونُ فِي قَوْلِك مَا ضَرَبْت زَيْدًا لَكِنْ عَمْرًا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ النَّفْيِ مُخْتَصٌّ بِعَطْفِ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُفْرَدِ دُونَ عَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ.

وَالثَّانِي أَنَّ مُوجِبَ الِاسْتِدْرَاكِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ إثْبَاتُ مَا بَعْدَهُ فَأَمَّا نَفْيُ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ مِنْ أَحْكَامِهَا بَلْ يَثْبُتُ ذَلِكَ بِدَلِيلِهِ وَهُوَ النَّفْيُ الْمَوْجُودُ فِيهِ صَرِيحًا بِخِلَافِ كَلِمَةِ بَلْ فَإِنَّ مُوجِبَهَا وَضْعًا نَفْيُ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُ الثَّانِي يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي قَوْلِك مَا جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو انْتَفَى مَجِيءُ زَيْدٍ بِصَرِيحِ هَذَا الْكَلَامِ لَا بِكَلِمَةِ لَكِنْ فَإِنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ قَوْلِهِ لَكِنْ عَمْرٌو كَانَ الِانْتِفَاءُ ثَابِتًا أَيْضًا وَفِي قَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو انْتَفَى مَجِيءُ زَيْدٍ بِكَلِمَةِ بَلْ لَا بِصَرِيحِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ قَوْلِهِ بَلْ عَمْرٌو لَا يَثْبُتُ الِانْتِفَاءُ بَلْ يَثْبُتُ ضِدُّهُ وَهُوَ الثُّبُوتُ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّ الْعَطْفَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ مِنْ قَوْلِهِ وُضِعَ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ النَّفْيِ وَتَقْدِيرُهُ لَكِنْ لِلْعَطْفِ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ النَّفْيِ إلَّا أَنَّ الْعَطْفَ بِهَذَا الطَّرِيقِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عِنْدَ اتِّسَاقِ الْكَلَامِ وَالْمُرَادُ مِنْ اتِّسَاقِ الْكَلَامِ، انْتِظَامُهُ وَذَلِكَ بِطَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ غَيْرَ مُنْفَصِلٍ لِيَتَحَقَّقَ الْعَطْفُ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْإِثْبَاتِ غَيْرَ مَحَلِّ النَّفْيِ لِيُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُنَاقِضُ آخِرُ الْكَلَامِ أَوَّلَهُ كَمَا فِي قَوْلِك مَا جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو فَإِذَا فَاتَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ لَا يَثْبُتُ الِاتِّسَاقُ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْرَاكُ فَيَكُونُ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا مِثَالُ فَوَاتِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ رَجُلٌ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَأَقَرَّ بِهِ لِإِنْسَانٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ مَا كَانَ لِي قَطُّ لَكِنَّهُ لِفُلَانٍ آخَرَ فَإِنْ وَصَلَ الْكَلَامَ فَهُوَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي وَهُوَ فُلَانٌ وَإِنْ فَصَلَ يُدْرَدُ عَلَى الْمُقَرِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَهُوَ قَوْلُهُ مَا كَانَ لِي قَطُّ تَصْرِيحٌ بِنَفْيِ مِلْكِهِ عَنْ الْعَبْدِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا عَنْ نَفْسِهِ أَصْلًا مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلٍ إلَى آخَرَ فَيَكُونُ هَذَا رَدًّا لِلْإِقْرَارِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لَهُ وَالْمُقَرُّ لَهُ مُتَفَرِّدٌ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ وَيَرْجِعُ الْعَبْدُ إلَى الْمُقِرِّ الْأَوَّلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا عَنْ نَفْسِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي فَيَكُونُ تَحْوِيلًا لَا رَدًّا لِلْإِقْرَارِ وَيَصِيرُ قَابِلًا لَهُ مُقِرًّا بِهِ لِغَيْرِهِ.

فَإِذَا وَصَلَ أَيْ قَوْلُهُ لَكِنَّهُ لِفُلَانٍ بِهِ أَيْ بِقَوْلِهِ مَا كَانَ لِي قَطُّ كَانَ وَصْلُهُ بِهِ بَيَانًا أَنَّهُ نَفَاهُ أَيْ الْمِلْكَ عَنْ نَفْسِهِ إلَى الثَّانِي لَا أَنَّهُ نَفَاهُ مُطْلَقًا وَصَارَ كَالْمَجَازِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَيَصِيرُ قَوْلُهُ عَلَيَّ مَجَازًا لِلْحِفْظِ إذَا وَصَلَهُ بِالْكَلَامِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَإِذَا فَصَلَ فِي قَوْلِهِ لَكِنَّهُ لِفُلَانٍ عَنْ النَّفْيِ كَانَ هَذَا نَفْيًا مُطْلَقًا أَيْ نَفْيًا عَنْ نَفْسِهِ أَصْلًا لَا نَفْيًا إلَى أَحَدٍ فَكَانَ رَدًّا لِلْإِقْرَارِ وَتَكْذِيبًا لِلْمُقِرِّ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الظَّاهِرِ وَكَانَ قَوْلُهُ لَكِنَّهُ لِفُلَانٍ بَعْدَ ذَلِكَ شَهَادَةً بِالْمِلْكِ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي عَلَى الْمُقِرِّ الْأَوَّلِ وَبِشَهَادَةِ الْفَرْدِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فَيَبْقَى الْعَبْدُ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ الْأَوَّلِ وَمِثَالٌ آخَرُ رَجُلٌ ادَّعَى

<<  <  ج: ص:  >  >>