للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ وَقَالَ فُلَانٌ إنَّهُ بَاعَنِي بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ وَهَبَنِي أَنَّ الدَّارَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَعَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ الْقِيمَةُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَفَاهَا عَنْ نَفْسِهِ إلَى الثَّانِي أَيْضًا حَيْثُ وُصِلَ بِهِ الْبَيَانُ

ــ

[كشف الأسرار]

دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا دَارُهُ وَاَلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ يَجْحَدُ ذَلِكَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهَا دَارُهُ فَقَضَى الْقَاضِي بِهَا لَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْمَقْضِيُّ لَهُ أَنَّهَا دَارُ فُلَانٍ وَلَمْ يَكُنْ لِي قَطُّ أَوْ قَالَ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْجَمِيعِ تُرَدُّ الدَّارُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا أَنَّ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ وَالْحُكْمَ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ بَاطِلًا فَوَجَبَ رَدُّ الدَّارِ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْمُقِرَّ الْأَوَّلَ.

وَالثَّانِيَ وَالْمُقَرَّ لَهُ الْآخَرَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الثَّانِيَ صَدَّقَ الْمُقِرَّ الْأَوَّلَ فِي النَّفْيِ وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي الْجِهَةِ وَالثَّالِثَ صَدَّقَ الْمُقِرَّ الثَّانِيَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنْ لَا حَقَّ لِلْأَوَّلِ فِي الْعَبْدِ فَلَمْ يَسْتَقِمْ رَدُّهُ عَلَيْهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى خِلَافِهِ فَيُرَدُّ إلَى الثَّالِثِ لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ فَأَمَّا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَدَّعِيهَا وَلَمْ يَزْعُمْ قَطُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ وَلَكِنْ اُسْتُحِقَّتْ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ فَإِذَا بَطَلَ الْقَضَاءُ بِقَوْلِ الْمَقْضِيِّ لَهُ إنَّهَا مَا كَانَتْ لِي قَطُّ لَكِنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَنْ أَخَذَهَا بِزَعْمِهِ فَلِهَذَا تُرَدُّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمُقَرَّ لَهُ صَدَّقَهُ فِي الْإِقْرَارِ وَكَذَّبَهُ فِي النَّفْيِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ كَانَتْ الدَّارُ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ إلَّا أَنَّهُ وَهَبَهَا لِي بَعْدَ الْقَضَاءِ وَسَلَّمَهَا إلَيَّ أَوْ بَاعَهَا مِنِّي فَهِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يُشْكِلُ إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ ثُمَّ بِالنَّفْيِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ صَحَّ ظَاهِرًا وَثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُ فِي قَوْلِهِ هِيَ لِفُلَانٍ فَإِذَا قَالَ بَعْدَهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ فَقَطْ أَرَادَ إبْطَالَ إقْرَارِهِ وَالرُّجُوعَ عَنْهُ وَكَذَّبَهُ الْمُقِرُّ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَبْطُلْ فِي حَقِّهِ وَأَمَّا إذَا بَدَأَ بِالنَّفْيِ بِأَنْ قَالَ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدَّارَ تُرَدُّ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ كَافٍ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ مَقْطُوعٌ عَمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيَانٍ مُغَيِّرٍ لِيَتَوَقَّفَ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَيَصِيرَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِلْغَيْرِ بَعْدَمَا انْتَفَى مِلْكُهُ وَعَادَ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الْإِقْرَارُ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ كَمَا لَوْ فَصَلَ الْإِقْرَارَ عَنْ النَّفْيِ وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّ آخِرَ كَلَامِهِ مُنَافٍ لِأَوَّلِهِ لِأَنَّ آخِرَهُ إثْبَاتٌ وَأَوَّلَهُ نَفْيٌ وَالْإِثْبَاتُ مَتَى ذُكِرَ مَعْطُوفًا عَلَى النَّفْيِ مُتَّصِلًا بِهِ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَلَا يُحْكَمُ لِأَوَّلِ الْكَلَامِ بِشَيْءٍ قَبْلَ آخِرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ تَكُونُ إقْرَارًا بِالتَّوْحِيدِ بِاعْتِبَارِ آخِرِهِ وَلَا فَرْقَ فَإِنَّ ذَلِكَ كَلَامٌ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا أَنَّ هَذَا كَلَامٌ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَيُعْتَبَرُ الْحَاصِلُ وَهُوَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْمُقَرِّ لَهُ عِنْدَ اتِّصَالِ آخِرِهِ بِأَوَّلِهِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ بِاتِّصَالِ الْإِثْبَاتِ بِهِ نَفْيًا لِلْمِلْكِ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِهِ لِلثَّانِي وَذَلِكَ مُحْتَمِلٌ بِأَنْ يَمْلِكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الْإِقْرَارُ إذَا غَابَا عَنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي حَتَّى يُمْكِنَ لِلْقَاضِي تَصْدِيقُ الْمُقَرِّ لَهُ فَأَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَقَدْ عَلِمَ الْقَاضِي بِكَذِبِهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا هِبَةٌ وَقَبْضٌ وَلَا بَيْعٌ وَالْكَذِبُ لَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلِأَنَّ اتِّصَالَ النَّفْيِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِثْبَاتِ لِغَيْرِهِ إنَّمَا يَكُونُ لِتَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ عُرْفًا وَمَا ذُكِرَ تَأْكِيدًا لِلشَّيْءِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ فَصَارَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَالَ هَذَا الدَّارُ لِفُلَانٍ وَسَكَتَ وَلِأَنَّ النَّفْيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>