للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنَّهُ بِالْإِسْنَادِ صَارَ شَاهِدًا عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَلَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَقَالَ فِي نِكَاحِ الْجَامِعِ فِي أَمَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمَوْلَى لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ وَلَكِنْ أُجِيزُهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ إنْ زِدْتنِي خَمْسِينَ أَنَّ هَذَا فَسْخٌ لِلنِّكَاحِ وَجُعِلَ لَكِنْ مُبْتَدَأً لِأَنَّ الْكَلَامَ غَيْرُ مُتَّسِقٍ لِأَنَّهُ نَفْيُ فِعْلٍ وَإِثْبَاتُهُ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَصْلُحْ لِلتَّدَارُكِ وَفِي قَوْلِ الرَّجُلِ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَا وَلَكِنَّهُ غَصْبٌ

ــ

[كشف الأسرار]

لَمَّا كَانَ لِتَأْكِيدِ الْإِقْرَارِ كَانَ مُؤَخَّرًا عَنْ الْإِقْرَارِ مَعْنًى لِأَنَّ التَّأْكِيدَ أَبَدًا يَكُونُ بَعْدَ الْمُؤَكَّدِ.

وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ قَصَدَ تَصْحِيحَ إقْرَارِهِ وَلَا يَصِحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا بِجَعْلِ الْإِقْرَارِ مُقَدَّمًا وَالْكَلَامُ يَحْتَمِلُ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ دُونَ الْإِلْغَاءِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ لَكِنَّهُ بِالْإِسْنَادِ أَيْ بِإِسْنَادِ نَفْيِ الْمِلْكِ إلَى مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنَّ قَوْلَهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ يَتَنَاوَلُ الْأَزْمِنَةَ السَّابِقَةَ عَلَى الْقَضَاءِ صَارَ شَاهِدًا عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ يُبْطِلُ هَذَا الْحَقَّ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ يَتَضَمَّنُ بُطْلَانَ الْقَضَاءِ وَفِي بُطْلَانِهِ بُطْلَانُ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْقَضَاءِ فَصَارَ شَاهِدًا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَمْ يَصِحَّ شَهَادَتُهُ عِنْدَ تَكْذِيبِ الْمُقِرِّ لَهُ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِلْغَيْرِ وَيَتَّضِحُ هَذَا بِفَصْلِ تَقْدِيمِ الْإِقْرَارِ عَلَى النَّفْيِ بِأَنْ قَالَ هِيَ لِفُلَانٍ وَلَمْ يَكُنْ لِي قَطُّ فَإِنَّ النَّفْيَ فِيهِ شَهَادَةٌ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَبُطْلَانُ حَقِّهِ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ السَّابِقِ فَكَذَلِكَ فِي فَصْلِ تَأْخِيرِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِاتِّصَالِ النَّفْيِ بِالْإِثْبَاتِ صَارَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَصَارَ تَقَدُّمُ الْإِقْرَارِ وَتَأَخُّرُهُ سَوَاءً ثُمَّ إنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُصَدَّقْ فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِبُطْلَانِ الْقَضَاءِ وَهُوَ حَقُّهُ فَصَارَ بِهِ مُقِرًّا بِالدَّارِ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهَا.

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ضَمَانَ الْعَقَارِ بِالْغَصْبِ فَيَضْمَنُ بِالْقَصْرِ أَيْضًا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَلَا وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْقَوْلِ مِثْلُ سَوْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فَكَذَا هَهُنَا وَذَكَرَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيّ أَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ صَارَ مُتْلِفًا لِلدَّارِ وَالدَّارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا يُضْمَنُ بِالشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ أَعْنِي قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ بِالْعَبْدِ مَا كَانَ لِي قَطُّ لَكِنَّهُ لِفُلَانٍ وَقَوْلَ مُدَّعِي الدَّارِ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ لَيْسَا مِنْ نَظَائِرِ هَذَا الْبَابِ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ لَكِنَّ الْمُشَدَّدَةَ لَيْسَتْ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ بَلْ هِيَ مِنْ الْحُرُوفِ النَّاصِبَةِ أَوْ إنَّمَا الْعَاطِفَةُ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ إلَّا أَنَّهُمَا لَمَّا اشْتَرَكَتَا فِي الِاسْتِدْرَاكِ وَاسْتَوَتَا فِي الْحُكْمِ أَوْرَدَ الشَّيْخُ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَمِثَالُ فَوَاتِ الْمَعْنَى الثَّانِي أَمَةٌ تَزَوَّجَتْ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ (وَفِي قَوْلِ الرَّجُلِ لَك عَلَيَّ كَذَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُخَالِفُ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي قَبْلَهَا فِي أَنَّ الِاسْتِدْرَاكَ فِيهَا صَرْفٌ إلَى الْجُمْلَةِ حَتَّى صَحَّ وَلَمْ يُصْرَفْ إلَى أَصْلِ الْإِقْرَارِ وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ صَرْفٌ إلَى أَصْلِ النِّكَاحِ وَلَمْ يُصْرَفْ إلَى الْجِهَةِ وَهِيَ نَفْيُ الْمِائَةِ وَإِثْبَاتُ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ إلَّا بِزِيَادَةِ خَمْسِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَدْ صَرَّحَ بِرَدِّ النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ فَلَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى الْجِهَةِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ لَمْ يُصَرِّحْ بِرَدِّ أَصْلِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْأَلْفُ بَلْ قَالَ لَا وَأَنَّهُ يَصْلُحُ رَدًّا لِلْجِهَةِ وَرَدًّا لِلْأَصْلِ فَإِذَا وَصَلَ بِهِ قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ غَصْبٌ عُلِمَ أَنَّهُ نَفَى السَّبَبَ لَا أَصْلَ الْمَالِ وَأَنَّهُ قَدْ صَدَّقَهُ فِي الْإِقْرَارِ بِأَصْلِ الْمَالِ وَلَا تَفَاوُتَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ وَالْأَسْبَابُ مَطْلُوبَةٌ لِلْأَحْكَامِ فَعِنْدَ عَدَمِ التَّفَاوُتِ يَتِمُّ تَصْدِيقُهُ لَهُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَنَّ الْأَلْفَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْغَصْبِ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَنَّ الْأَلْفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>