وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْمَهْرِ إذَا دَخَلَهُ أَوَانُ التَّخْيِيرَ إذَا كَانَ مُفِيدًا أَوْجَبَ التَّخْيِيرَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْجَامِعِ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ أَوْ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ مِائَةِ دِينَارٍ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَ أَيَّ الْمَهْرَيْنِ شَاءَ وَإِذَا لَمْ يُفِدْ التَّخْيِيرَ مِثْلُ أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ إلَّا أَنْ يُعْطِيَ الزِّيَادَةَ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى التَّسْمِيَةِ اُعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ مُفْرَدًا وَبِالْوَصَايَا وَبِبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ وَصَارَ مَنْ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ أَوْلَى بِالْبَيَانِ وَالتَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِطَرِيقِ التَّخْيِيرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ إلَّا بِشَرْطِ الِاخْتِيَارِ فَلَا يَقْطَعُ الْمُوجِبُ الْمُتَعَيِّنَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ لِأَنَّهُ لَا يُعَارِضُهُ مُوجِبٌ مُتَعَيَّنٍ لِأَنَّهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِمَهْرِ الْمِثْلِ
ــ
[كشف الأسرار]
وَإِنْ ذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا هَذَا فِي أَنْوَاعِ الصِّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ إذَا ذَكَرَ ثَلَاثَةً جَازَ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ اسْتِدْلَالًا بِالْبَيْعِ إلَّا أَنَّ فَرْقَ مَا بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الْإِجَارَةَ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْخِيَارِ حَتَّى أَنَّ مَنْ بَاعَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَإِجَارَةُ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْخِيَارِ
(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) إلَى آخِرِهِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ حَالَّةً أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ أَوْ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ حَالَّةً أَوْ أَلْفٍ نَسِيئَةً لَا يُحْكَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عِنْدَهُمَا بِحَالٍ بَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ إذَا كَانَ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا بِأَنْ كَانَ الْمَالَانِ مُخْتَلِفَيْنِ وَصْفًا كَمَا فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ أَنْقَصُ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَزْيَدُ مِنْ وَجْهٍ أَوْ جِنْسًا كَمَا فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَيُعْطِي أَيَّ الْمَهْرَيْنِ شَاءَ لِأَنَّ مُوجَبَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ التَّخْيِيرُ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا كَمَا فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ أَوْ الْأَلْفِ الْحَالَّةِ وَالْأَلْفِ الْمُؤَجَّلَةِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الْمَالِ فِي النِّكَاحِ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الْعَقْدُ عَلَى ذِكْرِهِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ الْمَالِ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَيَجِبُ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ اُعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ مُفْرَدًا أَيْ صَارَ كَأَنَّهُ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ أَوْ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالتَّخْيِيرَ بَيْنَ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ فَكَانَ قِيَاسَ الطَّلَاقِ بِمَالٍ وَالْعِتْقِ بِمَالٍ وَهُنَاكَ إذَا سَمَّى الْأَلْفَ وَالْأَلْفَيْنِ يَجِبُ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ فَكَذَا هَهُنَا وَلَا وَجْهَ لِلرُّجُوعِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مُوجَبُ نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ وَبِالتَّخْيِيرِ لَا تَنْعَدِمُ التَّسْمِيَةُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَقَوْلُهُ وَصَارَ مَنْ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ رَدٌّ لِمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ إنَّ الْخِيَارَ لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَقَالَا مَنْ اُسْتُفِيدَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ جِهَتِهِ أَيْ صَدَرَ هَذَا الْإِيجَابُ مِنْهُ أَوْلَى بِبَيَانِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمِلُ فَكَانَ الْخِيَارُ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ يُحْكَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي النِّكَاحِ كَالْقِيمَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَأَجْرِ الْمِثْلِ فِي الْإِجَارَةِ وَإِنَّمَا يُعْدَلُ عَنْهُ إذَا كَانَتْ التَّسْمِيَةُ مَعْلُومَةً قَطْعًا وَلَمْ يُوجَدْ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْخِلَافَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مَا مُوجَبُهُ وَمُوجَبُهُ الْمُسَمَّى فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ وُجِدَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ تَسْمِيَتَانِ أَحَدَيْهِمَا لَا شَكَّ فِيهَا وَالْأُخْرَى فِيهَا شَكٌّ فَتَثْبُتُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهَا فَلَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ.
قُلْنَا النِّكَاحُ لِمَا صَحَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ صَارَ هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ لِأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ فَكَانَتْ التَّسْمِيَةُ زِيَادَةً لَا مَحَالَةَ فَحَلَّ مَحَلَّ أَجْرِ الْمِثْلِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فَلَا يَجِبُ الْعُدُولُ عَنْهُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ فَصَارَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ فِي النِّكَاحِ هُوَ الْمُسَمَّى فَلَا يُمْكِنُ الْمَصِيرُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَمَّا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَاجِبًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَانَ هُوَ الْأَصْلُ فَالْعُدُولُ إلَى الْمُسَمَّى حِينَ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأَلْفِ الْحَالَّةِ وَالْأَلْفَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute