للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى هَذَا قُلْنَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: ٨٩] إنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ طَرِيقِ الْفِعْلِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا ذُكِرَتْ فِي مَوْضِعِ الْإِنْشَاءِ

ــ

[كشف الأسرار]

إلَى سَنَةٍ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ فَالْخِيَارُ لِلْمَرْأَةِ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْأَلْفَ الْحَالَّةَ وَإِنْ شَاءَتْ كَانَ لَهَا الْأَلْفَانِ إلَى سَنَةٍ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ أَحَدَ وَجْهَيْ الْحَظِّ إمَّا الْقَدْرُ وَإِمَّا الْأَجَلُ وَالْمَقَاصِدُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ فَوَجَبَ التَّخْيِيرُ وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ يُعْطِيهَا أَيَّهمَا شَاءَ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ هُوَ الْحَكَمُ وَقَدْ الْتَزَمَ الزَّوْجُ أَحَدَ وَجْهَيْنِ مِنْ الزِّيَادَةِ إمَّا الزِّيَادَةُ إلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَكِنْ بِصِفَةِ الْأَجَلِ وَإِمَّا أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ أَجَلٍ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَيَخْتَارُ أَيَّهمَا شَاءَ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا قُلْنَا) أَيْ عَلَى أَنَّ أَوْ يَتَنَاوَلُ أَحَدَ الْمَذْكُورَيْنِ فَيُوجِبُ التَّخْيِيرَ فِي مَوْضِعِ الْإِنْشَاءِ قُلْنَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مَا الْوَاجِبَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩] الْآيَةَ وَكَفَّارَةُ الْحَلْقِ الْوَاجِبَةُ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] وَجَزَاءُ الصَّيْدِ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] الْآيَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا وَفِي أَمْثَالِهَا وَاحِدٌ مِنْ الْجُمْلَةِ غَيْرُ عَيْنٍ وَالْمُكَلَّفُ مُخَيَّرٌ فِي تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْهَا فِعْلًا لَا قَوْلًا فَيَتَعَيَّنُ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَيُسَمَّى هَذَا وَاجِبًا مُخَيَّرًا وَذَهَبَتْ شِرْذِمَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّ الْكُلَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَإِذَا فَعَلَ أَحَدَهَا سَقَطَ وُجُوبُ بَاقِيهَا.

ثُمَّ إنَّهُ إذَا أَتَى بِالْكُلِّ كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ أَعْلَاهَا قِيمَةً وَلَوْ تَرَكَ الْكُلَّ كَانَ مُعَاقَبًا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا وَهُوَ الَّذِي كَانَ أَدْنَاهَا قِيمَةً لِأَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِالْأَدْنَى وَاخْتَلَفَ الْمُخَالِفُونَ فِي ذَلِكَ فَعَامَّتُهُمْ وَافَقُونَا فِيهِ فَكَانَ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ لَفْظِيًّا لَا مَعْنَوِيًّا كَمَا قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ إنَّهُمْ يَعْنُونَ بِوُجُوبِ الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِجَمِيعِهَا وَلَا يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَلِلْمُكَلَّفِ اخْتِيَارُ أَيِّ وَاحِدٍ كَانَ وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ إذَا أَتَى بِالْجَمِيعِ يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَلَوْ تَرَكَ الْجَمِيعَ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ كُلِّ وَاحِدٍ فَعَلَى هَذَا كَانَ الْخِلَافُ مَعْنَوِيًّا قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ فَرْعُ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ التَّكْلِيفَ يُبْتَنَى عَلَى حَقِيقَةِ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ دُونَ السَّبَبِ الْمُوَصِّلِ إلَيْهِ وَإِيجَابُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ غَيْرِ عَيْنِ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا عِلْمَ لِلْمُكَلَّفِ بِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مَجْهُولٌ حَالَةَ التَّكْلِيفِ فَيَكُونُ تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ.

وَعِنْدَنَا التَّكْلِيفُ يُبْتَنَى عَلَى سَبَبِ الْعِلْمِ لَا عَلَى حَقِيقَتِهِ كَمَا يُبْتَنَى عَلَى سَبَبِ الْقُدْرَةِ لَا عَلَى حَقِيقَتِهَا وَهَهُنَا طَرِيقُ الْعِلْمِ قَائِمٌ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ فَلَا يَكُونُ تَكْلِيفَ الْعَاجِزِ تَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ إيجَابَ أَحَدِ الْأَشْيَاءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوجَبُهُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا عَيْنًا أَوْ فِي وَاحِدٍ غَيْرِ عَيْنٍ أَوْ فِي الْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ لِأَنَّهُ خِلَافُ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ كَيْفَ وَالتَّخْيِيرُ يُنَافِيهِمَا وَلَا لِلثَّانِي لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا هُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِلْمُكَلَّفِ وَقْتَ التَّكْلِيفِ وَالتَّكْلِيفُ بِإِتْيَانِ الْمَجْهُولِ تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ وَهُوَ طَرِيقٌ مَشْرُوعٌ مُوَافِقٌ لِلْأُصُولِ فَإِنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مِثْلَ الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ حَتَّى إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَلِعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَمْرَ بِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ لَمَّا صَحَّ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْكُلَّ أَثِمَ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِأَحَدِهَا عَيْنًا وَلَا بِالْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بِالْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>