للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَدْ يُسْتَعْمَلُ لِلْعَطْفِ لِمَا بَيْنَ الْعَطْفِ وَالْغَايَةِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ مَعَ قِيَامِ مَعْنَى الْغَايَةِ تَقُولُ جَاءَنِي الْقَوْمُ حَتَّى زَيْدٌ وَرَأَيْت الْقَوْمَ حَتَّى زَيْدًا فَزَيْدًا إمَّا أَفْضَلُهُمْ وَإِمَّا أَرْذَلُهُمْ لِيَصْلُحَ غَايَةً أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ

ــ

[كشف الأسرار]

عَلَى مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَنْزِلُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي كَبْكَبَةٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمَعَهُ لِوَاءٌ أَخْضَرُ يَرْكُزُهُ فَوْقَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ يَتَفَرَّقُ الْمَلَائِكَةُ فِي النَّاسِ حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى كُلِّ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ وَذَاكِرٍ وَرَاكِعٍ وَسَاجِدٍ إلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ» . وَقَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَلْحَمَةِ فَقِيلَ مَا أُكِلَ الرَّأْسُ وَمَا نِيمَ الصَّبَاحُ فِي مَسْأَلَتَيْ السَّمَكَةِ وَالْبَارِحَةِ. وَذَهَبَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ إلَى أَنَّ مَا بَعْدَ حَتَّى دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُقْتَصِدِ فَقَالَ وَيَكُونُ مَا بَعْدَ حَتَّى دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسِهَا كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَكْلَ قَدْ اشْتَمَلَ عَلَى الرَّأْسِ.

وَكَذَا قَوْلُك ضَرَبْت الْقَوْمَ حَتَّى زَيْدًا لِمَعْنَى أَنَّ زَيْدًا قَدْ ضَرَبْته. قَالَ وَإِذَا كَانَتْ عَاطِفَةً كَانَ مَجْرَاهَا مَجْرَى الْجَارَةِ فِي تَضَمُّنِ مَعْنَى الْغَايَةِ تَقُولُ ضَرَبْت الْقَوْمَ حَتَّى زَيْدًا وَمَرَرْت بِالْقَوْمِ حَتَّى زَيْدٍ وَجَاءَنِي الْقَوْمُ حَتَّى زَيْدٌ. وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ فِي مَسَائِلِ السَّمَكَةِ الثَّلَاثِ وَمَسَائِلِ الْبَارِحَةِ الثَّلَاثِ قَدْ أُكِلَ الرَّأْسُ وَنِيمَ الصَّبَاحُ.

وَتَابَعَهُ فِي ذَلِكَ جَارُ اللَّهِ فَقَالَ فِي الْمُفَصَّلِ وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ يَدْخُلَ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا فَفِي مَسْأَلَتَيْ السَّمَكَةِ وَالْبَارِحَةِ قَدْ أُكِلَ الرَّأْسُ وَنِيمَ الصَّبَاحُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنْ يَنْقَضِيَ الشَّيْءُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْفِعْلُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَ الْفِعْلُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ كُلِّهِ فَلَوْ انْقَطَعَ الْأَكْلُ عِنْدَ الرَّأْسِ لَا يَكُونُ فِعْلُ الْأَكْلِ آتِيًا عَلَى السَّمَكَةِ كُلِّهَا وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى نِصْفَهَا لِأَنَّ الْغَرَضَ لَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ قَدْ فَاتَ فِي الْغَايَةِ الْجَعْلِيَّةِ خَلَا الْكَلَامُ عَنْ الْفَائِدَةِ فَلَمْ يَصِحَّ. وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ شُرُوحِ النَّحْوِ أَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى إذَا كَانَتْ لِلْغَايَةِ لَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ تَحْتَ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ وَهَكَذَا قَالَ ابْنِ جِنِّي وَإِلَيْهِ كَانَ يَمِيلُ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُورٍ السَّفَّارُ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ وَلَكِنْ لَا يَسْتَقِيمُ هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ نَقُولُ إنْ كَانَ الْمَذْكُورُ بَعْدَ حَتَّى بَعْضًا لِلْمَذْكُورِ قَبْلَهُ يَدْخُلُ تَحْتَ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا نَصَّ الْمُبَرِّدَ فِي كِتَابِ الْمُقْتَضَبِ وَابْنِ الْوَرَّاقِ فِي الْفُصُولِ وَالْفَرَّاءُ فِي الْمَعَانِي وَهَكَذَا ذَكَرَ السِّيرَافِيُّ أَيْضًا. مِثَالُ الْأَوَّلِ زَارَنِي أَشْرَافُ الْبَلْدَةِ حَتَّى الْأَمِيرُ وَسَبَّنِي النَّاسُ حَتَّى الْعَبِيدُ. وَمِثَالُ الثَّانِي قَرَأْت الْقُرْآنَ حَتَّى الصَّبَاحِ فَالصَّبَاحُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضَ اللَّيْلِ وَكَانَ حَتَّى هَاهُنَا بِمَعْنَى إلَى. فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي الْكِتَابِ هُوَ اخْتِيَارُ مَذْهَبِ الْأَكْثَرِ وَعَرَفْت بِهِ أَيْضًا أَنَّ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبَعْضِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سَهْوٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَوْ تَصْحِيفٌ فَإِنَّهُ مِنْ النَّفْيِ لَا مِنْ الْبَقَاءِ وَمَعْنَاهُ أَكَلَ وَهْمٌ بَيِّنٌ وَتَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ قَدْ يُسْتَعْمَلُ) أَيْ حَرْفُ حَتَّى لِلْعَطْفِ أَيْ فِيهِ أَوْ يُضَمَّنُ يُسْتَعْمَلُ مَعْنَى يُسْتَعَارُ لِمَا بَيْنَ الْغَايَةِ وَالْعَطْفِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَعْطُوفَ يَتَّصِلُ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَالْغَايَةُ تَتَّصِلُ بِالْمُغَيَّا وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ مَعَ قِيَامِ مَعْنَى الْغَايَةِ. قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ عَاطِفَةً كَانَتْ مَجْرَاهَا مَجْرَى الْجَارَةِ فِي تَضَمُّنِ مَعْنَى الْغَايَةِ تَقُولُ ضَرَبْت الْقَوْمَ حَتَّى زَيْدًا وَمَرَرْت بِالْقَوْمِ حَتَّى زَيْدٍ وَجَاءَنِي الْقَوْمُ حَتَّى زَيْدٌ بِذَلِكَ عَلَى تَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْعَطْفِ إنَّك لَوْ حَرَّرْت كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا وَإِنَّمَا يَتَغَيَّرُ بِالْعَطْفِ الْحُكْمُ وَهُوَ أَنَّهَا تَتْبَعُ الثَّانِي الْأَوَّلَ كَالْوَاوِ. وَيَكُونُ لِتَعْظِيمٍ نَحْوَ قَوْلِهِمْ مَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ. أَوْ تَحْقِيرٍ مِثْلَ قَوْلِهِمْ قَدِمَ الْحَاجُّ حَتَّى الْمُشَاةُ. وَحَتَّى هَذِهِ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ حُرُوفِ الْعَطْفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>