للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَنَّتْ الْفِصَالُ حَتَّى الْقَرْعَى فَجُعِلَ عَطْفًا هُوَ غَايَةٌ فَكَانَتْ حَقِيقَةً قَاصِرَةً وَعَلَى هَذَا أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا بِالنَّصْبِ أَيْ أَكَلْته أَيْضًا وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى جُمْلَةٍ مُبْتَدَأَةٍ عَلَى مِثَالِ وَاوِ الْعَطْفِ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ لِعَطْفِ الْجُمَلِ وَهِيَ غَايَةٌ مَعَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ مَذْكُورًا فَهُوَ خَبَرُهُ وَإِلَّا فَيَجِبُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ تَقُولُ ضَرَبْت الْقَوْمَ حَتَّى زَيْدٌ غَضْبَانُ فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ هِيَ غَايَةُ مَعْنًى وَمِنْ ذَلِكَ أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسُهَا إلَّا أَنَّ الْخَبَرَ غَيْرُ مَذْكُورٍ هُنَا فَيَجِبُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِنْسِ مَا سَبَقَ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرٍ أَعْنِي حَتَّى رَأْسُهَا مَأْكُولِي أَوْ مَأْكُولُ غَيْرِي وَمَوَاضِعُهَا فِي الْأَفْعَالِ أَنْ يُجْعَلَ غَايَةً بِمَعْنَى إلَى أَوْ غَايَةً هِيَ جُمْلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَعَلَامَةُ الْغَايَةِ أَنْ يَحْتَمِلَ الصَّدْرُ الِامْتِدَادَ وَأَنْ يَصْلُحَ الْآخَرُ دَلَالَةً عَلَى الِانْتِهَاءِ

ــ

[كشف الأسرار]

فِي أَنَّ مَا بَعْدَهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُجَانِسًا لِمَا قَبْلَهَا فَلَا تَقُولُ ضَرَبْت الْقَوْمَ حَتَّى حِمَارًا وَضَرَبْت الرِّجَالَ حَتَّى امْرَأَةً كَمَا تَقُولُ ضَرَبْت الْقَوْمَ وَحِمَارًا وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لِلْغَايَةِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْ الشَّيْءِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ طَرَفُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَوْ قُلْت رَأَيْت الْقَوْمَ حَتَّى حِمَارًا كُنْت جَعَلْت الْحِمَارَ طَرَفًا لِلْقَوْمِ مُنْقَطِعًا لَهُمْ وَلِهَذَا كَانَ فِيهَا التَّعْظِيمُ وَالتَّحْقِيرُ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا أُخِذَ مِنْ أَدْنَاهُ فَأَعْلَاهُ غَايَةٌ لَهُ وَطَرَفٌ فَالْأَنْبِيَاءُ غَايَةُ جِنْسِ النَّاسِ إذَا أَخَذْنَا مِنْ الْمَرَاتِبِ وَاسْتَقْوَيْنَاهَا صَاعِدِينَ.

وَإِذَا أُخِذَ مِنْ أَعْلَى الشَّيْءِ فَأَدْنَاهُ طَرَفٌ لَهُ وَذَلِكَ كَالْمُشَاةِ فِي الْحَاجِّ تَأْخُذُ مِنْ الْأَقْوِيَاءِ الرَّاكِبِينَ وَتَنْزِلُ فَتَنْتَهِي إلَى الْمُشَاةِ وَهِيَ مُنْقَطِعُ الْجِنْسِ كَمَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ قَالَ أَعْتَقْت غِلْمَانِي حَتَّى فُلَانَةَ أَوْ أَعْتَقْت إمَائِي حَتَّى سَالِمًا لَمْ يُعْتَقْ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ كَلِمَةُ حَتَّى لِأَنَّ الْغِلْمَانَ وَالْإِمَاءَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ. وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت سَالِمًا حَتَّى مُبَارَكًا أَوْ حَتَّى مُبَارَكٍ لَا يُعْتَقُ مُبَارَكٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ لِسَالِمٍ.

بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إلَى مَكَانَ حَتَّى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُمْ يُعْتَقُونَ جَمِيعًا لِإِمْكَانِ حَمْلِ إلَى عَلَى مَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى. {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢] . كَذَا فِي كِتَابِ بَيَانِ حَقَائِقِ الْحُرُوفِ. قَوْلُهُمْ اسْتَنَّتْ الْفِصَالُ حَتَّى الْقَرْعَى. الِاسْتِنَانُ هُوَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ وَيَطْرَحَهُمَا مَعًا وَذَلِكَ فِي حَالَةِ الْعَدْوِ. وَالْقَرْعَى جَمْعُ قَرِيعٍ وَهُوَ الَّذِي بِهِ قَرْعٌ وَهُوَ بَثْرٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ بِالْفِصَالِ. هَذَا مَثَلٌ يُضْرَبُ لِمَنْ يَتَكَلَّمُ مَعَ مَنْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِعُلُوِّ قَدْرِهِ. فَجُعِلَ عَطْفًا هُوَ غَايَةٌ لِانْتِهَاءِ الِاسْتِنَانِ بِاسْتِنَانِهَا فَكَانَتْ حَقِيقَةً قَاصِرَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَمْ تَخْلُصْ لِلْغَايَةِ. وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلْعَطْفِ مَعَ رِعَايَةِ مَعْنَى الْغَايَةِ. وَقَدْ تَدْخُلُ أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ عَلَى جُمْلَةٍ لَا لِلْعَطْفِ بَلْ تَسْتَأْنِفُ بَعْدَهَا كَمَا تَسْتَأْنِفُ بَعْدَ أَمَّا وَإِذَا تَقُولُ خَرَجَتْ النِّسَاءُ حَتَّى هِنْدٌ خَارِجَةٌ وَلِهَذَا جَازَ إدْخَالُ وَاوِ الْعَطْفِ عَلَيْهَا كَمَا فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

مَطَوْت بِهِمْ حَتَّى يَكِلَّ غَرِيمُهُمْ ... وَحَتَّى الْجِيَادُ مَا يُقَدْنَ بِأَرْسَانِ

فَالْجِيَادُ مُبْتَدَأٌ وَمَا يُقَدْنَ خَبَرُهُ وَالْوَاوُ دَاخِلَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَتَّى هَذِهِ لَيْسَتْ بِعَاطِفَةٍ وَلَوْ كَانَتْ حَرْفَ عَطْفٍ لَمْ يَجُزْ دُخُولُ حَرْفٍ آخَرَ عَلَيْهَا كَمَا لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ حَرْفُ عَطْفٍ قَطْعًا فِي قَوْلِك ضَرَبْت الْقَوْمَ حَتَّى زَيْدًا أَلَا تَرَاك لَا تَقُولُ ضَرَبْت الْقَوْمَ وَفَعَمْرًا فَقَوْلُهُ وَحَتَّى الْجِيَادُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَأَمَّا الْجِيَادُ فِي كَوْنِ مَا بَعْدَهُمَا مُبْتَدَأً.

عَلَى مِثَالِ وَاوِ الْعَطْفِ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ لِعَطْفِ الْجُمَلِ فَإِنَّهَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ لِلِابْتِدَاءِ لَا لِلْعَطْفِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَلِهَذَا سَمَّوْهَا وَاوَ الِاسْتِئْنَافِ وَالِابْتِدَاءِ فَهَذِهِ جُمْلَةٌ هِيَ غَايَةٌ أَيْ لِلضَّرْبِ فَإِنَّهُ يَنْتَهِي بِهَا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يُنْسَبَ أَيْ ذَلِكَ الْخَبَرُ الْمُثْبِتُ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ. إلَيْهِ أَيْ إلَى الْمُتَكَلِّمِ

١ -

قَوْلُهُ (وَمَوَاضِعُهَا) أَيْ مَوَاضِعُ كَلِمَةِ حَتَّى فِي الْأَفْعَالِ أَنْ يُجْعَلَ غَايَةً بِمَعْنَى إلَى مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً، مُبْتَدَأَةً كَقَوْلِهِ سِرْت حَتَّى أَدْخُلَهَا. أَوْ غَايَةً هِيَ جُمْلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ كَقَوْلِك خَرَجَ النِّسَاءُ حَتَّى خَرَجَتْ هِنْدٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي الْأَصْلِ لِلْغَايَةِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ مَا أَمْكَنَ. فَإِنْ قِيلَ لَمَّا جُعِلَتْ بِمَعْنَى إلَى كَيْفَ جَازَ دُخُولُهَا عَلَى الْفِعْلِ لِأَنَّهَا إذْ ذَاكَ حَرْفُ جَرٍّ.

قُلْنَا إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِكَوْنِ أَنَّ مُقَدَّرًا فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ وَأَنَّ مَعَ الْفِعْلِ فِي حُكْمِ الِاسْمِ فَتَكُونُ دَاخِلَةً عَلَى الِاسْمِ تَقْدِيرًا وَيَكُونُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مَجْرُورَ الْمَحَلِّ بِهَا.

وَعَلَامَةُ الْغَايَةِ أَنْ يَحْتَمِلَ الصَّدْرُ الِامْتِدَادَ بِأَنْ صَلَحَ فِيهِ ضَرْبُ الْمُدَّةِ. وَأَنْ يَصْلُحَ الْآخَرُ دَلَالَةً عَلَى الِانْتِهَاءِ كَالصِّيَاحِ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَضْرِبْك حَتَّى تَصِيحَ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا لِلْغَايَةِ. فَإِذَا قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ نُخْبِرْ فُلَانًا بِمَا صَنَعْت حَتَّى يَضْرِبَك

<<  <  ج: ص:  >  >>