للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ تَغَدَّى مِنْ بَعْدُ غَيْرَ مُتَرَاخٍ فَقَدْ بَرَّ وَإِنْ لَمْ يَتَغَذَّ أَصْلًا حَنِثَ وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ لَا يُوجَدُ لَهَا ذِكْرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَلَا ذَكَرَهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ فِيمَا أَعْلَمُ لَكِنَّهَا اسْتِعَارَةٌ بَدِيعَةٌ اقْتَرَحَهَا أَصْحَابُنَا عَلَى قِيَاسِ اسْتِعَارَاتِ الْعَرَبِ لِأَنَّ بَيْنَ الْعَطْفِ وَالْغَايَةِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ حَيْثُ يُوصِلُ الْغَايَةَ بِالْجُمْلَةِ كَالْمَعْطُوفِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ بِمَعْنَى الْعَطْفِ مَعَ قِيَامِ الْغَايَةِ بِلَا خِلَافٍ فَاسْتَقَامَ أَنْ يُسْتَعَارَ لِعَطْفِ الْمَحْضِ إذَا تَعَذَّرَتْ حَقِيقَتُهُ وَهَذَا عَلَى مِثَالِ اسْتِعَارَاتِ أَصْحَابِنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى هَذَا جَاءَنِي زَيْدٌ حَتَّى عَمْرٌو وَهَذَا غَيْرُ مَسْمُوعٍ مِنْ الْعَرَبِ وَإِذَا اُسْتُعِيرَ لِلْعَطْفِ اُسْتُعِيرَ لِمَعْنَى الْفَاءِ دُونَ الْوَاوِ لِأَنَّ الْغَايَةَ تُجَانِسُ التَّعْقِيبَ. .

ــ

[كشف الأسرار]

الْفِعْلَيْنِ بِصِفَةِ الِاتِّصَالِ. وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ كَانَ شَرْطُ الْبِرِّ وُجُودَ الْفِعْلَيْنِ فِي الْعُمُرِ بِصِفَةِ الِاتِّصَالِ أَوْ التَّرَاخِي إذَا لَمْ يَنْوِ الْفَوْرَ وَشَرْطُ الْحِنْثِ عَدَمُ أَحَدِهِمَا فِي الْعُمُرِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الزِّيَادَاتِ. وَهَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ أَيْضًا فَقَالَ إذَا قَالَ إنْ لَمْ آتِك حَتَّى أَتَغَذَّى عِنْدَك الْيَوْمَ أَوْ إنْ لَمْ تَأْتِنِي حَتَّى تَتَغَذَّى عِنْدَك الْيَوْمَ فَكَذَا فَأَتَاهُ ثُمَّ لَمْ يَتَغَذَّ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَنِثَ لِأَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ وُجُودُ الْأَمْرَيْنِ فِي الْيَوْمِ وَلَمْ يُوجَدْ. وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ بِالْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُرْجَى الْبِرُّ وَهُوَ التَّغَذِّي فِي وَقْتٍ آخَرَ وَهَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ أَيْضًا. وَإِذَا تَحَقَّقَتْ هَذَا عَلِمْت أَنَّ فِي قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ حَتَّى إذَا أَتَاهُ فَلَمْ يَتَغَذَّ ثُمَّ تَغَذَّى مِنْ بَعْدُ غَيْرَ مُتَرَاخٍ فَقَدْ بَرَّ نَوْعَ اشْتِبَاهٍ لِأَنَّ لِقَوْلِهِ فَلَمْ يَتَغَذَّ مَعَ قَوْلِهِ تَغَذَّى مِنْ بَعْدُ غَيْرَ مُتَرَاخٍ نَوْعَ مُنَافَاةٍ. وَظَنِّي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ كَانَتْ مَوْضُوعَةً فِي الْكِتَابِ فِي الْيَوْمِ مِثْلُهَا فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَعَامَّةِ نُسَخِ الزِّيَادَاتِ فَسَقَطَ لَفْظُ الْيَوْمِ عَنْ قَلَمِ الْكَاتِبِ.

وَعَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرَ كَانَ مَعْنَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ حَتَّى إذَا أَتَاهُ أَيْ فِي الْيَوْمِ. فَلَمْ يَتَغَذَّ عِنْدَهُ أَيْ عَلَى فَوْرِ الْإِتْيَانِ. ثُمَّ تَغَذَّى مِنْ بَعْدُ أَيْ مِنْ بَعْدُ إنْ لَمْ يَتَغَذَّ عَلَى الْفَوْرِ. غَيْرَ مُتَرَاخٍ أَيْ عَنْ الْيَوْمِ فَقَدْ بَرَّ. وَإِنْ لَمْ يَتَغَذَّ فِي الْيَوْمِ أَصْلًا حَنِثَ. فَأَمَّا إذَا أَجْرَيْنَاهَا عَلَى إطْلَاقِهَا كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَأَنَا لَا أَدْرِي مَعْنَى قَوْلِهِ غَيْرَ مُتَرَاخٍ إذْ لَوْ قُدِّرَتْ غَيْرَ مُتَرَاخٍ عَنْ الْإِتْيَانِ لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ فَلَمْ يَتَغَذَّ وَلَوْ قُدِّرَتْ غَيْرَ مُتَرَاخٍ عَنْ الْعُمُرِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ التَّغَذِّي مُتَرَاخِيًا عَنْ الْعُمُرِ.

وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي ثُمَّ تَغَذَّى مَنْ تَغَذَّى غَيْرَ مُتَرَاخٍ أَيْ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَا أَعْرِفُ صِحَّتَهُ قَوْلُهُ (وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ) أَيْ اسْتِعَارَةُ حَتَّى لِمَعْنَى الْعَطْفِ الْمَحْضِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْغَايَةِ فِيهِ بِوَجْهِ اسْتِعَارَةٍ لَمْ تُوجَدْ فِي كَلَامِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ رَأَيْت زَيْدًا حَتَّى عَمْرًا كَمَا يَقُولُونَ رَأَيْت زَيْدًا فَعَمْرًا أَوْ ثُمَّ عَمْرًا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ اللُّغَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي لُغَتِهِمْ لَكِنَّ هَذِهِ اسْتِعَارَةٌ اقْتَرَحَهَا مُحَمَّدٌ أَيْ اسْتَخْرَجَهَا بِقَرِيحَتِهِ عَلَى طَرِيقَةِ اسْتِعَارَاتِهِمْ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الدَّلِيلِ فَإِنْ أَئِمَّةَ اللُّغَةِ مِثْلَ أَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرَهُ كَانُوا يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ فَكَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ الدَّلِيلِ:

إذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا ... . فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ

وَذَكَرَ ابْنُ السَّرَّاجِ أَنَّ الْمُبَرِّدَ سُئِلَ عَنْ مَعْنَى الْغَزَالَةِ فَقَالَ هِيَ الشَّمْسُ كَذَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى أَنَّ فِي الِاسْتِعَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ بَلْ يُشْتَرَطُ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ الصَّالِحِ لِلِاسْتِعَارَةِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَقَدْ وُجِدَ لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. وَهَذَا أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اسْتِعَارَةِ حَتَّى لِلْعَطْفِ الْمَحْضِ عَلَى مِثَالِ اسْتِعَارَاتِ أَصْحَابِنَا. فِي غَيْرِ هَذَا الْبَاب أَيْ بَابِ حَتَّى مِثْلُ اسْتِعَارَتِهِمْ الْبَيْعَ لِلنِّكَاحِ وَالْعَتَاقَ لِلطَّلَاقِ وَالْحَوَالَةَ لِلْوِكَالَةِ وَنَحْوَهَا. وَإِذَا اُسْتُعِيرَ أَيْ حَتَّى لِلْعَطْفِ اُسْتُعِيرَ بِمَعْنَى الْفَاءِ أَيْ بِمَعْنَى حَرْفٍ يُوجِبُ التَّعْقِيبَ مِثْلَ الْفَاءِ أَوْ ثُمَّ دُونَ الْوَاوِ لِأَنَّ التَّعْقِيبَ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً وَمُجَانَسَةً لِلْغَايَةِ مِنْ مُطْلَقِ الْجَمْعِ لِوُجُودِ التَّرْتِيبِ فِيهِمَا.

وَالْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ جَعَلَهُ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَقَالَ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْجَزَاءِ يُحْمَلُ عَلَى الْعَطْفِ كَقَوْلِك جَاءَنِي الْقَوْمُ حَتَّى زَيْدٌ أَيْ وَزَيْدٌ ثُمَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِك الْيَوْمَ حَتَّى أَتَغَذَّى عِنْدَك تَقْدِيرُهُ إنْ لَمْ آتِك الْيَوْمَ وَأَتَغَذَّى عِنْدَك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>