وَالْأَصْلُ فِي الْغَايَةِ إذَا كَانَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْحُكْمِ مِثْلَ قَوْلِ الرَّجُلِ مِنْ هَذَا الْبُسْتَانِ إلَى هَذَا الْبُسْتَانِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] إلَّا أَنْ يَكُونَ صَدْرُ الْكَلَامِ يَقَعُ عَلَى الْجُمْلَةِ فَيَكُونُ الْغَايَةُ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهَا فَيَبْقَى دَاخِلًا بِمُطْلَقِ الِاسْمِ مِثْلَ مَا قُلْنَا فِي الْمَرَافِقِ
ــ
[كشف الأسرار]
وَبِخِلَافِ الْيَمِينِ الْمُوَقِّتَةِ إلَى شَهْرٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ ثَابِتَةٌ لِلْحَالِ وَتَقْبَلُ التَّوْقِيتَ فَتَتَوَقَّتُ كَالْإِجَارَةِ فَأَمَّا انْعِقَادُ الْيَمِينِ فَلَا يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ فَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَيْهِ وَانْعَقَدَ لِلْحَالِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ. وَبَيَانُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ التَّأْجِيلَ لِتَأْخِيرِ مَا يَدْخُلُ فِيهِ كَتَأْجِيلِ الدَّيْنِ وَهَاهُنَا دَخَلَ عَلَى أَصْلِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَى شَهْرٍ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَمَا دَخَلَ قَوْلُهُ بِعْتُك بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ فِي الْأَلْفِ إلَّا أَنَّ ثُبُوتَ نَفْسِ الدَّيْنِ لَا يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ فَانْصَرَفَ إلَى الْمُطَالَبَةِ وَثُبُوتُ الطَّلَاقِ يَقْبَلُهُ فَانْصَرَفَ التَّأْجِيلُ إلَيْهِ فَأَوْجَبَ تَأْخِيرُهُ قَوْلُهُ (وَالْأَصْلُ فِي الْغَايَةِ) إلَى آخِرِهِ لَمَّا كَانَ بَعْضُ الْغَايَاتِ الثَّابِتَةِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ غَيْرَ دَاخِلَةٍ فِي حُكْمِ الْمُغَيَّا كَاللَّيْلِ فِي الصِّيَامِ وَبَعْضُهَا دَاخِلَةً فِيهِ كَالْمِرْفَقِ فِي غَسْلِ الْيَدِ لَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ لِذَلِكَ.
فَقَالَ الْأَصْلُ فِيهَا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً بِنَفْسِهَا بِأَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً قَبْلَ التَّكَلُّمِ وَلَا تَكُونَ مُفْتَقِرَةً فِي وُجُودِهَا إلَى الْمُغَيَّا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ لَهُ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً بِنَفْسِهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَتْبِعَهَا الْمُغَيَّا مِثْلَ قَوْلِهِ بِعْت مِنْ هَذَا الْبُسْتَانِ إلَى هَذَا الْبُسْتَانِ.
وَقَوْلُهُ لِفُلَانٍ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَإِنَّ الْغَايَتَيْنِ لَا تَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ. وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: ١] . حَيْثُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى تَحْتَ الْإِسْرَاءِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى. لِأَنَّا نَقُولَ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ لَا بِمُوجِبِ هَذَا الْكَلَامِ. إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْحُكْمِ أَيْ لَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ تَحْتَ حُكْمِ الْمُغَيَّا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً بِنَفْسِهَا إلَّا إذَا كَانَ صَدْرُ الْكَلَامِ وَاقِعًا عَلَى الْجُمْلَةِ أَيْ الْمُغَيَّا وَالْغَايَةُ جَمِيعًا فَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ لَمَّا كَانَ وَاقِعًا عَلَى الْجُمْلَةِ قَبْلَ ذِكْرِ الْغَايَةِ وَبَعْدَ ذِكْرِهَا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْبَعْضَ مِنْهَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْغَايَةِ إسْقَاطَ مَا وَرَاءَهَا ضَرُورَةً وَالِاسْمُ يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ الْغَايَةِ فَبَقِيَ دَاخِلًا تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ إيَّاهُ. مِثْلُ مَا قُلْنَا فِي الْمَرَافِقِ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْغُسْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذِكْرِ الْمَرَافِقِ إسْقَاطُ مَا وَرَائِهَا إذْ لَوْلَا ذِكْرُهَا لَاسْتَوْعَبَتْ الْوَظِيفَةُ كُلَّ الْيَدِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِسْقَاطِ بَلْ بَقِيَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ الْوُجُوبِ بِمُطْلَقِ اسْمِ الْيَدِ وَلِهَذَا فَهِمَتْ الصَّحَابَةُ مِنْ إطْلَاقِ الْأَيْدِي فِي التَّيَمُّمِ الْأَيْدِيَ إلَى الْإِبَاطِ كَذَا فِي بُيُوعِ الْمَبْسُوطِ.
فَإِنْ قِيلَ لَا بُدَّ لِلْجَارِ وَالْمَجْرُورِ مِنْ مُتَعَلِّقٍ وَهُوَ قَوْلُهُ {فَاغْسِلُوا} [المائدة: ٦] فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ غَايَةً لِلْإِسْقَاطِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ وَلَا مُضْمَرٍ. قُلْنَا تَعَلُّقُ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ بِالْغُسْلِ ظَاهِرًا وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْإِسْقَاطُ دُونَ مَدِّ الْحُكْمِ كَمَا قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْمِرْفَقُ غَايَةٌ لِلْغُسْلِ لَفْظًا وَظَاهِرًا وَغَايَةٌ لِلْإِسْقَاطِ مَعْنًى وَمَقْصُودًا وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي دُونَ الظَّوَاهِرِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كَلِمَةَ إلَى تُفِيدُ مَعْنَى الْغَايَةِ مُطْلَقًا فَأَمَّا دُخُولُهَا فِي الْحُكْمِ وَخُرُوجُهَا مِنْهُ فَأَمْرٌ يَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ. فَمَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْخُرُوجِ قَوْله تَعَالَى {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] . لِأَنَّ الْإِعْسَارَ عِلَّةُ الْإِنْظَارِ وَبِوُجُودِ الْمَيْسَرَةِ تَزُولُ الْعِلَّةُ وَلَوْ دَخَلَتْ الْمَيْسَرَةُ فِيهِ لَكَانَ مُنْظَرًا فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا فَتَبْطُلُ الْغَايَةُ.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] . إذْ لَوْ دَخَلَ لَوَجَبَ الْوِصَالُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الدُّخُولِ قَوْلُك قَرَأْت الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ سِيقَ لِحِفْظِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ فَقَوْلُهُ إلَى الْمَرَافِقِ وَإِلَى الْكَعْبَيْنِ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَأَخَذَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute