للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ فِي الْخِيَارِ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَكَذَلِكَ فِي الْآجَالِ فِي الْأَيْمَانِ فِي رِوَايَةِ حَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْهُ

ــ

[كشف الأسرار]

عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ بِالِاحْتِيَاطِ فَحَكَمُوا بِدُخُولِهَا فِي الْغُسْلِ وَأَخَذَ زُفَرُ وَدَاوُد بِالْمُتَيَقِّنِ فَلَمْ يُدْخِلَاهَا. وَلِهَذَا أَيْ وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّدْرَ إذَا كَانَ مُتَنَاوِلًا لِلْجُمْلَةِ تَدْخُلُ الْغَايَةُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى الْغَدِ أَوْ إلَى اللَّيْلِ أَوْ إلَى الظُّهْرِ تَدْخُلُ الْغَايَةُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْغَايَةَ هَاهُنَا حَدُّ الْإِسْقَاطِ فَإِنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ مُطْلَقًا يَثْبُتُ الْخِيَارُ مُؤَبَّدًا وَلِهَذَا فَسَدَ الْعَقْدُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ فِي الثَّلَاثِ عِنْدَهُ وَبَعْدَ أَيِّ مُدَّةٍ كَانَتْ عِنْدَهُمَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ بِصِفَةِ الْفَسَادِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ ذِكْرُ الْغَايَةِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهَا فَتَبْقَى دَاخِلَةً تَحْتَ الْجُمْلَةِ كَالْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ. بِخِلَافِ الْأَجَلِ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ الْغَايَةَ فِيهِ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَى مَوْضِعِ الْغَايَةِ لِأَنَّ الْأَجَلَ لِلتَّرْفِيَةِ فَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ أَدْنَى مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّرْفِيَةُ.

وَبِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْغَايَةَ فِيهَا لَا تَدْخُلُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَيْضًا لِأَنَّهَا عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ فَمُطْلَقُهَا لَا يُوجِبُ إلَّا أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وَلِأَجْلِ الْجَهَالَةِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ فَكَانَ ذِكْرُ الْغَايَةِ لِبَيَانِ مِقْدَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِمَدِّ الْحُكْمِ إلَى مَوْضِعِ الْغَايَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْغَدَ جُعِلَ غَايَةً وَالْأَصْلُ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الصَّدْرِ إلَّا بِدَلِيلِ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ غَايَةً لِأَنَّ الْحُكْمَ يَنْتَهِي إلَيْهَا دَلَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ إلَى اللَّيْلِ وَالْأَكْلُ إلَى الْفَجْرِ وَلِهَذَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ إلَى رَمَضَانَ أَوْ بَاعَ بِأَجَلٍ إلَى رَمَضَانَ أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى رَمَضَانَ لَمْ يَدْخُلْ رَمَضَانُ تَحْتَ الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ غَايَةٌ. وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْنَا الْمَرَافِقُ فَإِنَّهَا دَخَلَتْ تَحْتَ الْجُمْلَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ عَلَّمَ الْوُضُوءَ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ غَسَلَ الْمَرَافِقَ هَكَذَا حَكَى الْحَاكِي الْوُضُوءَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَذْهَبَهُمَا أَوْضَحُ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَى غَدٍ قُرِنَ بِالْخِيَارِ فَصَارَ مَدًّا لِلْخِيَارِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمِرْفَقُ قُرِنَ بِالْغُسْلِ وَالْكَلَامُ إذَا قُرِنَ بِهِ غَايَةٌ أَوْ اسْتِثْنَاءٌ أَوْ شَرْطٌ لَا يُعْتَبَرُ بِالْمَفْصُولِ عَنْ الْقَيْدِ ثُمَّ التَّعْبِيرُ بِالْقَيْدِ عَنْ حَالِ الْإِطْلَاقِ بَلْ يُعْتَبَرُ مَعَ الْقَيْدِ جُمْلَةً وَاحِدَةً لِمَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ لِلشَّرْطِ وَمَتَى جُعِلَ كَلَامًا وَاحِدًا لِلْإِيجَابِ إلَى غَدٍ لَا الْإِيجَابِ وَالْإِسْقَاطِ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ فَلَا يَثْبُتَانِ إلَّا بِنَصَّيْنِ وَالنَّصُّ مَعَ الْغَايَةِ نَصٌّ وَاحِدٌ. وَلِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْيَمِينِ لَازِمَةٌ عَلَى طَرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ دُونَ رِوَايَةِ الْحَسَنِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ فِي الْآجَالِ فِي الْأَيْمَانِ) أَيْ وَكَمَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ فِي الْجُمْلَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ عِنْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى تَدْخُلُ الْآجَالَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْأَيْمَانِ أَيْضًا بِأَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا إلَى رَجَبٍ أَوْ إلَى رَمَضَانَ أَوْ إلَى الْغَدِ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَهُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِنَّ مُطْلَقَ كَلَامِهِ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْغَايَةِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَائِهَا.

وَلَا تَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ فِي حُرْمَةِ الْكَلَامِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْكَلَامِ فِي مَوْضِعِ الْغَايَةِ شَكًّا كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَالتَّأْبِيدَ بَلْ مُطْلَقُهُ يَتَنَاوَلُ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَاسْمِ الصِّيَامِ يَتَنَاوَلُ أَدْنَى الْإِمْسَاكِ وَاقْتِضَاؤُهُ لِلتَّأْبِيدِ فِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُ بِالْعَارِضِ وَهُوَ وُقُوعُهُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ لَا بِأَصْلِ الْوَضْعِ فَكَانَ عِنْدَنَا فِي حُكْمِ الْغَايَةِ لِأَنَّ كَوْنَ الْغَايَةِ لِلْمَدِّ أَوْ لِلْإِسْقَاطِ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ الْوَضْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>