وَقَالَ فِي قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرَةٍ لَمْ يَدْخُلْ الْعَاشِرُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَقَالَا يَدْخُلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَائِمٍ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْغَايَةُ الْأُولَى لِلضَّرُورَةِ. .
ــ
[كشف الأسرار]
لَا بِاعْتِبَارِ الْعَوَارِضِ فَكَانَ ذِكْرُ الْغَايَةِ لِمَدِّ الْحُكْمِ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ الْوَضْعِ لَا لِلْإِسْقَاطِ فَلَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ تَحْتَ الْجُمْلَةِ كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأُكَلِّمَنَّ فُلَانًا إلَى اللَّيْلِ أَوْ إلَى الْغَدِ بِخِلَافِ اسْمِ الْيَدِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْعُضْوِ الْمَعْلُومِ بِأَصْلِ الْوَضْعِ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْغَايَةِ لِلْإِسْقَاطِ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَكَذَلِكَ فِي الْآجَالِ وَالْأَيْمَانِ وَفِي بَعْضِهَا فِي الْآجَالِ وَفِي الْأَيْمَانِ وَفِي بَعْضِهَا وَفِي الْأَثْمَانِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ سَهْوٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ إنْ اتَّصَلَ بِالْجَمِيعِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي الْآجَالِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ اتَّصَلَ بِالْأَخِيرِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْآجَالُ دَاخِلَةً فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الدَّيْنِ وَالْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ وَالْإِجَارَةِ لَا يَدْخُلُ فِي الْجُمْلَةِ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفِي الْآجَالِ وَالْإِجَارَاتِ لَا يَدْخُلُ الْغَايَةُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ وَفِي تَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْغَايَةِ شَكٌّ فَثَبَتَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ النُّسَخِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا قَوْلُهُ (وَقَالَ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرَةٍ لَمْ يَدْخُلْ الدِّرْهَمُ الْعَاشِرُ فِي الْوُجُوبِ فَيَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الدِّرْهَمِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَاشِرَ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ لِمَدِّ الْوُجُوبِ إلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُ.
وَقَالَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ الْأَخِيرَةُ كَالْأُولَى. لِأَنَّهُ أَيْ الْعَاشِرَ لَيْسَ بِقَائِمٍ بِنَفْسِهِ إذْ لَا تَحَقُّقَ لِلْعَاشِرِ إلَّا بِوُجُودِ تِسْعَةٍ أُخْرَى قَبْلَهُ كَمَا لَا تَحَقُّقَ لِلْأَوَّلِ إلَّا بِوُجُودِ ثَانٍ بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَايَةً مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَذَلِكَ بِالْوُجُوبِ. وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ يَعْنِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ دُخُولِ الْغَايَةِ الْأُولَى دُونَ الْأَخِيرَةِ عِنْدَهُ وَدُخُولُ الْغَايَتَيْنِ عِنْدَهُمَا ثَابِتٌ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي بَعْضِ نُسْخَةٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُمَا يَقُولَانِ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَشْرُوعَ غَايَةً فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ لِيَصْلُحَ غَايَةً وَوُجُودُهُ بِوُقُوعِهِ وَثُبُوتِهِ.
وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْقَعَ طَلَاقًا مَوْصُوفًا بِوَصْفٍ أَنَّهُ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ فَلَا يَقَعُ حَتَّى يُوجَدَ إذْ وُجُودُهُمَا بِوُقُوعِهِمَا فَإِذَا وَقَعَا لَمْ يَرْتَفِعَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلِهَذَا اقْتَضَى دُخُولُهُمَا فِي الْمُغَيَّا وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْأُولَى أَيْ الْغَايَةُ الْأُولَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ أَنَّهُ إنَّمَا أَوْقَعَ مَا بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ بِنَصِّهِ فَيَكُونُ ثَانِيَةً وَالثَّانِيَةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْأُولَى فَاقْتَضَى ذَلِكَ دُخُولَ الْأُولَى لِتَصِيرَ هِيَ ثَانِيَةً وَلَمْ يَقْتَضِ دُخُولَ الثَّالِثَةِ لِأَنَّ الثَّابِتَةَ ثَانِيَةٌ بِلَا ثَالِثَةٍ فَعَمِلْنَا بِالْغَايَةِ الْأُولَى عَلَى مَجَازِهَا عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الْوَاقِعَةُ وَالْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ بِهَذَا الْإِيجَابِ فَكَانَ طَلَبُ حَقِيقَتِهِ أَوْلَى مِنْ طَلَبِ حَقِيقَةِ الْغَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَانِيَةً فَإِنَّهَا تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَلْغُو وَلَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهَا بِالْوَاحِدَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ وَالطَّلَاقُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِلَفْظٍ وَقَدْ جَرَى فِي مَسْأَلَةِ الْغَايَةِ مَا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ لِأَنَّ الْغَايَةَ قَدْ تَدْخُلُ فِي الْجُمْلَةِ إذَا قَامَ دَلِيلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِآخَرَ كُلْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ إلَى عَشْرِ لُقُمَاتٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ اللُّقْمَةَ الْعَاشِرَةَ وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي عَبْدًا إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ دَخَلَ الْأَلْفُ وَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ عَنْ رَجُلٍ إلَى أَلْفِ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ دَلَّتْ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكْفُلُ إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا وَهُوَ رَاضٍ بِتَمَامِهَا وَكَذَا الشِّرَاءُ وَكَذَا إبَاحَةُ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ قَلَّ مَا يَجْرِي الضِّمْنُ بِلُقْمَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَمَّا الطَّلَاقُ فَدَلَالَةُ الْحَالِ تَمْنَعُ الدُّخُولَ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَحْتَرِزُ عَنْ الثَّالِثَةِ أَشَدَّ الِاحْتِرَازِ.
وَكَذَا الْإِقْرَارُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute