للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ إضْمَارُ الْفِعْلِ فَيَصِيرُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَقَدْ يُسْتَعَارُ هَذَا الْحَرْفُ لِلْمُقَارَنَةِ إذَا نُسِبَ إلَى الْفِعْلِ فَقِيلَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَفِي الظَّرْفِ مَعْنَى الْمُقَارَنَةِ فَجُعِلَ مُسْتَعَارًا بِمَعْنَاهُ فَصَارَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا مَسَائِلُ الزِّيَادَاتِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَأَخَوَاتُهُمَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ

ــ

[كشف الأسرار]

أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الْمَكَانِ بِأَنْ قِيلَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ أَوْ فِي الظِّلِّ أَوْ فِي الشَّمْسِ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ حَيْثُمَا كَانَتْ لِأَنَّ الْمَكَانَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ إذْ الظَّرْفُ لِلشَّيْءِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ لَهُ وَمَا كَانَ وَصْفًا لِلشَّيْءِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلتَّخْصِيصِ وَالْمَكَانُ لَا يَصْلُحُ مُخَصَّصًا لِلطَّلَاقِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي مَكَان كَانَ وَاقِعًا فِي الْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا اتَّصَفَتْ بِهِ فِي مَكَان تُوصَفُ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَمْكِنَةِ وَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ مُخَصَّصًا لَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَهُوَ مَوْجُودٌ كَانَ تَنْجِيزًا أَيْضًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ. بِخِلَافِ إضَافَتِهِ إلَى الزَّمَانِ لِأَنَّ الزَّمَانَ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لَهُ إذْ الطَّلَاقُ يَكُونُ وَاقِعًا فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى زَمَانٍ مَعْدُومٍ فِي الْحَالِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِمَعْنَى الْمُعَلَّقِ بِهِ فَلَا يَقَعُ فِي الْحَالِ. أَلَا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَوْ بِقَوْلِهِ فِي الدَّارِ مَثَلًا إضْمَارُ الْفِعْلِ بِأَنْ أُرِيدَ بِهِ فِي دُخُولِك الدَّارَ فَحِينَئِذٍ لَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَحَلَّ وَإِرَادَتُهُ الْفِعْلُ الْحَالُ فِيهِ. أَوْ ذَكَرَ الْمُسَبَّبَ وَأَرَادَ بِهِ السَّبَبَ إذْ الدُّخُولُ فِي الدَّارِ سَبَبُ كَيْنُونَتِهَا فِيهَا وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ فَكَانَ مَا نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ إرَادَتُهُ وَصَارَ الدُّخُولُ مُضْمَرًا فِي الْكَلَامِ وَإِذَا صَارَ مُضْمَرًا كَانَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ. إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ عَلَى مَعْنَى أَنْ يَكُونَ شَاغَلَا لَهُ لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ فِي فَيُجْعَلُ مُسْتَعَارًا لِمَعْنَى الْمُقَارَنَةِ لِأَنَّ فِي الظَّرْفِ مَعْنَى الْمُقَارَنَةِ إذْ مِنْ قَضِيَّتِهِ الِاحْتِوَاءُ عَلَى الْمَظْرُوفِ فَيُقَارِنُهُ بِجَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ فَصَارَ بِمَعْنَى مَعَ فَيَتَعَلَّقُ وُجُودُ الطَّلَاقِ بِوُجُودِ الدُّخُولِ لِأَنَّ قِرَانَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُودَهُ ضَرُورَةً فَكَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ تَعَلُّقُهُ بِوُجُودِ الدُّخُولِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَرْطًا مَحْضًا لِأَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مَعَ الدُّخُولِ لَا بَعْدَهُ فَلِهَذَا قَالَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُجْعَلُ مُسْتَعَارًا لِمَعْنَى الشَّرْطِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الظَّرْفِ وَالشَّرْطِ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فَيَتَعَلَّقُ الْجَزَاءُ بِهِ فَعَلَى هَذَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الدُّخُولِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك فَتَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ كَمَا لَوْ قَالَ مَعَ نِكَاحِك وَلَوْ جُعِلَ مُسْتَعَارًا لِلشَّرْطِ لَطَلُقَتْ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك إلَيْهِ أَشَارَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِمَعْنَاهُ رَاجِعٌ إلَى مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ ضَمِيرُ جَعَلَ وَهُوَ حَرْفُ فِي وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ جُعِلَ حَرْفُ فِي مُسْتَعَارًا لِمَعْنَى الْمُقَارَنَةِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ. أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمُقَارَنَةِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ جَعَلَ حَرْفَ فِي مُسْتَعَارًا لِمَعْنَى الْمُقَارَنَةِ. وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى أَنَّ فِي تَصِيرُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ بُنِيَتْ مَسَائِلُ فِي الزِّيَادَاتِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ فِي إرَادَتِهِ أَوْ فِي رِضَاهُ أَوْ فِي مَحَبَّتِهِ أَوْ فِي أَمْرِهِ وَفِي إذْنِهِ أَوْ فِي حُكْمِهِ أَوْ فِي قُدْرَتِهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَصْلًا إلَّا فِي عِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ حَقِيقَةُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ بِأَنْ صَحِبَتْ الْأَفْعَالَ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيقِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالِ وَالْمُقَارَنَةِ غَيْرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى التَّعْلِيقِ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْوُجُودِ وَبِضِدِّهِ لِيَصِيرَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا وَالْمَشِيئَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالرِّضَاءُ وَالْمَحَبَّةُ مِمَّا يَصِحُّ وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، وَبِضِدِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>