للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَّا فِي عِلْمِ اللَّهِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعْلُومِ وَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا بَلْ يَسْتَحِيلُ وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ وَأَضْمَرَ الدُّخُولَ صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِيرُ بِمَعْنَى مَا قُلْنَا وَعَلَى هَذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلظَّرْفِ فَلَغْوٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ مَعْنَى مَعَ أَوْ وَاوِ الْعَطْفِ فَيُصَدَّقُ لِمَا قُلْنَا إنَّ فِي الظَّرْفِ مَعْنَى الْمُقَارَنَةِ فَيَصِيرُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ مُنَاسِبًا لَمَعَ وَلِلْعَطْفِ فَيَلْزَمُهُ عِشْرُونَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي وَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى مَعْنَى مَعَ وَقَعَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ نَوَى الْوَاوَ وَقَعَتْ وَاحِدَةً.

وَمِنْ ذَلِكَ حُرُوفِ الْقَسَمِ وَهِيَ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ وَمَا وُضِعَ لِذَلِكَ وَهُوَ اَيْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَهُوَ لَعَمْرُ اللَّهِ فَأَمَّا الْبَاءُ فَهِيَ لِلْإِلْصَاقِ وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ أَقْسِمُ لَهُ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ

ــ

[كشف الأسرار]

فَإِنَّهُ يَصِحُّ شَاءَ اللَّهُ كَذَا وَلَمْ يَشَأْ كَذَا وَأَرَادَ وَلَمْ يُرِدْ وَأَحَبَّ وَلَمْ يُحِبَّ وَكَذَا الْأَمْرُ وَالرِّضَاءُ وَالْحُكْمُ وَالْإِذْنُ فَكَانَ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا تَعْلِيقًا وَالتَّعْلِيقُ بِهَا بِحَقِيقَةِ الشَّرْطِ إبْطَالٌ لِلْإِيجَابِ فَكَذَا هَذَا، أَمَّا الْعِلْمُ فَلَا يَصِحُّ وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِضِدِّهِ لِأَنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [سبأ: ٣] فَكَانَ التَّعْلِيقُ بِهِ تَحْقِيقًا وَتَنْجِيزًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ.

وَيُشْكِلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا الْقُدْرَةُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ تَعَالَى بِضِدِّهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ هَاهُنَا بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ وَقُرِئَ قَوْله تَعَالَى. {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات: ٢٣] . بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} [النمل: ٥٧] . وَالتَّقْدِيرُ مِمَّا يَصِحُّ وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَبِضِدِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ قَدَّرَ اللَّهُ كَذَا وَلَا يُقَدِّرُ كَذَا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهَا قَوْلُهُ (إلَّا فِي عِلْمِ اللَّهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَقَعُ. لِأَنَّهُ أَيْ الْعِلْمَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعْلُومِ اسْتِعْمَالًا شَائِعًا يُقَالُ اغْفِرْ اللَّهُمَّ عِلْمَكَ فِينَا أَيْ مَعْلُومَك وَيُقَالُ عِلْمُ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُرَادُ مَعْلُومُهُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ بِعِلْمِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِذَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا بِمَعْنَى الْمَعْلُومِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُجْعَلَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَكُونُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَمَعْلُومُ اللَّهِ تَعَالَى مُتَحَقِّقٌ لَا مَحَالَةَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ وَاقِعًا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَعْلُومَ اللَّهِ تَعَالَى ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الطَّلَاقُ فِي مَعْلُومِهِ أَنْ لَوْ كَانَ وَاقِعًا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا لَكَانَ عَدَمُهُ فِي مَعْلُومِهِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.

فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ لَمْ يُطَلِّقْ وَقَدْ يَسْتَعْمِلُ الْقُدْرَةَ بِمَعْنَى الْمَقْدُورِ فَقَدْ يَقُولُ مَنْ يَسْتَعْظِمُ شَيْئًا هَذَا قُدْرَةُ اللَّهِ. قُلْنَا مَعْنَى هَذَا اسْتِعْمَالُ أَنَّهُ أَثَرُ قُدْرَةِ اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُقَامُ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَ الْمُضَافِ فَفُهِمَ الْمَقْدُورُ مِنْ الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ لَا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَمِثْلُهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعِلْمِ إذْ الْقُدْرَةُ مِنْ الْمُؤْثَرَاتِ بِخِلَافِ الْعِلْمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَعْلُومٌ لَنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ اللَّهُ مَقْدُورُنَا قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ يُسْتَعَارُ لِلْمُقَارَنَةِ حُمِلَ عَلَى مَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ النِّيَّةِ فَإِذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي عَشْرَةِ دَرَاهِمَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَعْنِيَ مَعْنَى مَعَ فَيَلْزَمُهُ عِشْرُونَ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ بِكُلِّ حَالٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ فِي الْعَشَرَةِ فِي مُتَعَارَفِ الْحِسَابِ مِائَةٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا. إلَّا أَنَّا نَقُولُ أَثَّرَ الضَّرْبُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ إلَّا فِي زِيَادَةِ الْمَالِ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَزْنًا وَإِنْ تَكْثُرْ أَجْزَاؤُهَا لَا تَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةٍ. وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ هَذَا الْحَرْفِ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا يَكُونُ ظَرْفًا لِمِثْلِهِ بِلَا شُبْهَةٍ حُمِلَ عَلَى مَعَ أَوْ وَاوِ الْعَطْفِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ فِي الظَّرْفِ مَعْنَى الْمُقَارَنَةِ وَالْجَمْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: ٢٩] أَيْ مَعَهُمْ.

وَإِنَّا نَقُولُ جِهَةُ الْمَجَازِ هَاهُنَا مُتَعَدِّدَةٌ فَإِنَّ فِي قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى عَلَى وَبِمَعْنَى مِنْ كَمَا يَكُونُ بِمَعْنَى مَعَ قَالَ تَعَالَى إخْبَارًا {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] . أَيْ عَلَيْهَا وَقَالَ عَزَّ اسْمُهُ {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} [النساء: ٥] . أَيْ مِنْهَا وَلَيْسَ أَحَدُ الْوُجُوهِ أَوْلَى مِنْ الْبَاقِي فَيَعْتَبِرُ أَوَّلَ كَلَامِهِ فَيَلْزَمُهُ عَشْرَةٌ وَيَلْغُو آخِرَهُ. إلَّا أَنْ يَقُولَ عَنَيْت هَذِهِ وَهَذِهِ فَحِينَئِذٍ يُعْمِلُ بَيَانَهُ لِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بِمَعْنَى مَعَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ فَيُصَدَّقُ. وَلَا يُقَالُ مَعْنَى عَلَى أَوْ مِنْ لَا يَسْتَقِيمُ هَاهُنَا إذْ لَا يُقَالُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ عَلَيَّ عَشْرَةٌ وَلَا عَلَيَّ عَشْرَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>