للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

قِسْمَيْنِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا يَعْنِي لَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَ الْوَاوِ فَلَوْ أَظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ كَانَ فِي مَعْنَى قِسْمَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحْلِفُ بِانْفِرَادِهِ يَمِينٌ.

وَكَذَا قَوْلُهُ وَاَللَّهِ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَصْلُحْ الْوَاوُ رَابِطَةً صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ بِخِلَافِ الْبَاءِ لِأَنَّهَا لِلْإِلْصَاقِ فَيَكُونُ الْكُلُّ كَلَامًا وَاحِدًا فَيَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى فَيَصِيرُ أَيْ لَوْ صَحَّ إظْهَارُ الْفِعْلِ صَارَتْ الِاسْتِعَارَةُ عَامَّةً وَأَشْبَهَ كَلَامُهُ قِسْمَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَحْلِفُ وَاَللَّهِ بِمَعْنَى بِاَللَّهِ كَانَ بِظَاهِرِهِ قَسَمَانِ لِمَا ذَكَرْنَا وَغَرَضُهُ قَسَمٌ وَاحِدٌ فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ بِظَاهِرِهِ مُخَالِفًا لِغَرَضِهِ فَلَمْ يَكُنْ خَالِيًا عَنْ خَلَلٍ فَكَانَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ أَوْلَى. وَكَأَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا قَالَ لَا يَحْسُنُ إظْهَارُ الْفِعْلِ فَلَمْ يَقُلْ لَا يَجُوزُ إشَارَةً مِنْهُ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَلْغُو عِنْدَ إظْهَارِ الْفِعْلِ وَلَكِنَّهُ يُشْبِهُ قِسْمَيْنِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْغَرَضِ. وَلَا تَدْخُلُ أَيْ وَاوُ الْقَسَمِ فِي الْكِنَايَةِ أَيْ فِي الْمُضْمَرِ لَا يُقَالُ وَكَلَأَفْعَلَنَّ وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْكِنَايَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ مُتَنَاوِلًا لِلضَّمَائِرِ وَغَيْرِهَا احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَعْنِي الْكَافَ عَنْ غَيْرِ الضَّمَائِرِ.

ثُمَّ اُسْتُعِيرَ التَّاءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ أَيْ أُبْدِلَ التَّاءُ عَنْهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْإِبْدَالِ فِي نَحْوِ تُرَاثٍ، وَتَوْرِيَةٍ، وَتُجَاهٍ، وَتُخَمَةٍ، وَتُهْمَةٍ، إذْ الْأَصْلُ فِيهَا وَارِثٌ فُعَالٌ مِنْ وَرِثَ وِرَاثَةً، وَوَوْرَاةٌ فَوْعَلَةٌ مِنْ وَرِيَ الزَّنْدُ يَرِي وَرْيًا، إذَا أَخْرَجَ نَارَهُ وَوِجَاهٌ مِنْ الْوَجْهِ، وَوَخِمَةٌ مِنْ وَخِمَ الرَّجُلُ وَخَامَةً إذَا لَمْ يَهْنَأْ الطَّعَامُ لَهُ، وَهِمَّةٌ مِنْ الْوَهْمِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَقَعُ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ كَالظَّنِّ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقَصِيدَةِ الشَّاطِبِيَّةِ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي التَّوْرِيَةِ فَذَهَبَ الْبَصْرِيُّونَ إلَى أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ وَرِيَ الزَّنْدُ وَهُوَ الضَّوْءُ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُ عِنْدَ الْقَدْحِ فَكَأَنَّهَا ضِيَاءٌ وَنُورٌ وَوَزْنُهَا فَوْعَلَةٌ كَدَوْحَلَةٍ وَحَوْقَلَةٍ فَأُبْدِلَتْ وَاوُهَا تَاءً عَلَى حَدِّ تُجَاهٍ وَتُخَمَةٍ وَقُلِبَتْ يَاؤُهَا أَلْفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَزْنُهَا تَفَعُّلَةٌ كَتَنَفُّلٍ فِي تَنَفَّلَ وَضَعُفَ ذَلِكَ لِقِلَّةِ هَذَا الْبِنَاءِ وَشُذُوذِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ تَفْعِلَةٌ كَتَوْصِيَةٍ فَفُتِحَتْ عَيْنُهَا وَقُلِبَتْ تَاؤُهَا أَلْفًا وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ فِي نَاصِيَةٍ وَجَارِيَةٍ فَقِيلَ نَاصَاةٍ وَجَارَاةٍ فِي لُغَةِ طَيِّئٍ وَضَعُفَ ذَلِكَ أَيْضًا لِعَدَمِ إطْرَادِهِ فِي تَوْصِيَةٍ وَتَوْقِيَةٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِيهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ اسْمَانِ أَعْجَمِيَّانِ وَتَكَلَّفَ اشْتِقَاقَهُمَا مِنْ الْوَرِيِّ وَالنَّجْلِ وَوَزْنُهُمَا بِفَوْعَلَةٍ وَإِفْعِيلٍ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ كَوْنِهِمَا عَرَبِيَّتَيْنِ. قَالَ وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْإِنْجِيلُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْعُجْمَةِ عَلَى أَفْعِيلٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَدِيمِ أَوْزَانِ الْعَرَبِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الِاسْتِشْهَادَ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ.

ثُمَّ الشَّيْخُ ذَكَرَ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلْمَجَازِ كَوْنُهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزَّوَائِدِ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ وَجْهًا آخَرَ فَقَالَ اتَّكَلْت عَلَى فُلَانٍ فِي أَمْرِي إذَا اعْتَمَدْته وَأَصْلُهُ اوْتَكَلْتُ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا ثُمَّ أُبْدِلَتْ مِنْهَا التَّاءُ فَأُدْغِمَتْ فِي تَاءِ الِافْتِعَالِ ثُمَّ بُنِيَتْ عَلَى هَذَا الْإِدْغَامِ أَسْمَاءٌ مِنْ الْمِثَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تِلْكَ الْعِلَّةُ تَوَهُّمًا أَنَّ التَّاءَ أَصْلِيَّةٌ لِأَنَّ هَذَا الْإِدْغَامَ لَا يَجُوزُ إظْهَارُهُ فِي حَالٍ فَمِنْ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ التَّكْلُ وَالتُّكْلَانُ وَالتُّخَمَةُ وَالنَّجَاةُ وَالتُّرَاثُ وَالتَّقْوَى وَإِذَا صُغِّرَتْ قُلْت تُكَيْلَةٌ وَتُخَيْمَى وَلَا تُعِيدُ الْوَاوَ لِأَنَّ هَذِهِ حُرُوفٌ أُلْزِمَتْ الْبَدَلُ فَتَثْبُتُ فِي التَّصْغِيرِ وَالْجَمْعِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ أَنَّ الْوَاوَ فِي اتَّعَدَ قُلِبَتْ تَاءً لِأَنَّ الْوَاوَ قَرِيبَةٌ مِنْ التَّاءِ وَقَدْ وَقَعَ بَعْدَهَا تَاءُ الِافْتِعَالِ وَهِيَ تُقْلَبُ تَاءً بِغَيْرِ سَبَبٍ كَثِيرًا نَحْوَ تُخَمَةٍ وَتُجَاهٍ وَتُرَاثٍ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ اجْتِمَاعِ مُتَقَارِبَيْنِ يَنْقَلِبُ أَحَدُهُمَا إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>