للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَكِنَّهُ بِالنَّصْبِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَبِالْخَفْضِ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مَا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْأَصْلِ مِثْلَ قَوْلِ الرَّجُلِ وَاَللَّهِ اللَّهِ وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْجَامِعِ. .

ــ

[كشف الأسرار]

صَاحِبِهِ لِيَقَعَ الْإِدْغَامُ. وَلَا يَجُوزُ تَالرَّحْمَنِ وَتَالرَّحِيمِ قَدْ حَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ تَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ لَا يُؤْخَذُ بِهِ. قَوْلُهُ (لَكِنَّهُ) أَيْ الْمُقْسَمُ بِهِ بِالنَّصْبِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. حَاصِلُهُ أَنَّ الْخَفْضَ فِي الْقَسَمِ بِإِضْمَارِ حَرْفِ الْخَفْضِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ جَائِزٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَعِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعِوَضٍ نَحْوَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهَاءِ التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِمْءَاللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا وَقَوْلُهُمْ لَا هَا اللَّهِ.

احْتَجَّ الْكُوفِيُّونَ بِمَا تَقُولُ الْعَرَبُ اللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ فَيَقُولُ الْمُجِيبُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ مَقْصُورَةٍ فِي الثَّانِيَةِ فَيُخْفَضُ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الْخَفْضِ وَإِنْ كَانَ مَحْذُوفًا. وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِهِمْ إعْمَالُ حَرْفِ الْخَفْضِ مَعَ الْحَذْفِ فَقَدْ حَكَى يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ أَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ مَرَرْت بِرَجُلٍ صَالِحٍ إلَّا صَالِحٍ فَطَالِحٍ أَيْ إلَّا أَكُنْ مَرَرْت بِرَجُلٍ صَالِحٍ فَقَدْ مَرَرْت بِطَالِحٍ. وَرُوِيَ عَنْ رُؤْبَةَ الْعَجَّاجِ أَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْت كَانَ يَقُولُ: خَيْرٍ. عَافَاك اللَّهُ أَيْ بِخَيْرٍ وَفِي الشَّوَاهِدِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَشْعَارِ كَثِيرَةٌ. وَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ فَقَالُوا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي حُرُوفِ الْجَرِّ أَنْ لَا تَعْمَلَ مَعَ الْحَذْفِ وَإِنَّمَا تَعْمَلُ مَعَ الْحَذْفِ فِي بَعْضِ الْمَاضِي إذَا كَانَ عَنْهَا عِوَضٌ فَبَقِيَتْ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ. وَلَا تَمَسُّكَ لَهُمْ فِيمَا ذَكَرُوا لِأَنَّ الْجَوَازَ فِي قَوْلِهِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ ثَبَتَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ كَمَا ثَبَتَ دُخُولُ حَرْفِ النِّدَاءِ عَلَيْهِ مَعَ الْأَلْفِ وَاللَّامِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فِي غَيْرِهِ لِشُذُوذِهِ وَقِلَّتِهِ.

وَكَذَا مَا حَكَى يُونُسُ وَمَا رُوِيَ عَنْ رُؤْبَةَ وَمَا نُقِلَ مِنْ الْأَشْعَارِ فِي ذَلِكَ كُلِّهَا مِنْ الشَّوَاذِّ الَّتِي لَا يُعْتَدُّ بِهَا فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهَا كَذَا فِي كِتَابِ الْإِنْصَافِ لِلْأَنْبَارِيِّ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي الْمُقْتَصِدِ وَأَمَّا حَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ الَّذِي هُوَ الْبَاءُ فِي بِاَللَّهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُحْذَفَ وَيُوصَلَ الْفِعْلُ إلَى الِاسْمِ فَيَنْصِبَهُ فَيُقَالُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَأَنَّهُ قَالَ حَلَفْت اللَّهَ لَأَفْعَلَنَّ وَعَلَى ذَلِكَ ثَبَتَ الْكِتَابُ:

أَلَا رُبَّ مَنْ قَلْبِي لَهُ اللَّهِ نَاصِحٌ ... وَمَنْ قَلْبُهُ لِي فِي الظِّبَاءِ السَّوَانِحِ

التَّقْدِيرُ أَلَا رُبَّ مَنْ قَلْبِي لَهُ نَاصِحٌ بِاَللَّهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تُضْمَرَ وَيَبْقَى الْجَرُّ فَيُقَالُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَالْأَكْثَرُ النَّصْبُ لِأَنَّ الْجَارَّ لَا يُضْمَرُ إلَّا قَلِيلًا وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْمُفَصَّلِ أَيْضًا. فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ إذْ الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ لَا فِي الْجَوَازِ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مَا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ حَذْفَ حَرْفِ الْقَسَمِ جَائِزٌ فَقِيلَ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ اللَّهِ لَا أُكَلِّمُك فَكَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ اسْمَ اللَّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَقًّا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَانَ قَوْلُهُ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَلِ عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُشْتَقِّ لَا يَصْلُحُ نَعْتًا فَصَارَ كَأَنَّهُ سَكَتَ وَاسْتَأْنَفَ الْحَلِفَ بِقَوْلِهِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَالْقَسَمُ بِغَيْرِ حَرْفٍ صَحِيحٌ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي إعْرَابِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ كَانَ نَعْتًا لِلْأَوَّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْمَعْبُودِ الْحَقِّ الْمَقْصُودِ لَا أُكَلِّمُك فَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ لَا أُكَلِّمُك فَكَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ جَعَلَ الرَّحْمَنَ خَارِجًا مَخْرَجَ النَّعْتِ لِلْأَوَّلِ فَصَارَ الِاسْتِشْهَادُ وَاحِدًا فِي كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ وَتَسْمِيَتِهِ فَلَا يَتَعَدَّدُ الْهَتْكُ.

وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لَا أُكَلِّمُك فَكَلَّمَهُ لَزِمَتْهُ كَفَّارَتَانِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ فَإِنَّ قِوَامَ الْيَمِينِ فَعَمْرُك بِهِ فَعَمْرُك عَلَيْهِ وَاتِّحَادُ الْأَوَّلِ مَعَ تَعَدُّدِ الثَّانِي يُوجِبُ كَوْنَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً فَكَذَا عَكْسُهُ. وَقُلْنَا إنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ عَمْرُك بِهِ.

وَقَوْلُهُ وَالرَّحْمَنِ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>