وَلَوْ قَالَ آمِنُوا لِي عَشَرَةً عَلَى عَشَرَةٍ لَا غَيْرُ وَلِرَأْسِ الْحِصْنِ أَنْ يُدْخِلَ نَفْسَهُ فِيهِمْ وَالْخِيَارُ فِيهِمْ إلَيْهِ وَذَلِكَ يَخْرُجُ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ.
ــ
[كشف الأسرار]
الْعَطْفِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْوَصْلَ وَالتَّعْقِيبَ فَيَسْتَقِيمُ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ أَمِّنُونِي فَعَشَرَةً فَأَمَّا الْبَاءُ فَيَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ أَمِّنُونِي بِعَشَرَةٍ بِمَعْنَى عَشَرَةٍ أُعْطِيكُمْ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ عِوَضًا عَنْ أَمَانِي وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ فِي هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الْمَسَائِلِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُ أَمِّنُونِي فَعَشَرَةً وَلَوْ قَالَ أَمِّنُونِي ثُمَّ عَشَرَةً كَانَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءً وَالْعَشَرَةُ سِوَاهُ لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ التَّرَاخِي وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ فَعَشَرَةً لِأَنَّهُ بَدَأَ بِمَا هُوَ لِلْعَطْفِ مُطْلَقًا ثُمَّ بِمَا هُوَ لِلْعَطْفِ عَلَى وَجْهِ التَّعْقِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ ثُمَّ بِمَا هُوَ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ التَّرَاخِي.
وَرَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى حَاشِيَةِ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ عِنْدَ تَقْرِيرِ هَذَا الْغَلَطِ قِيلَ وَلَا يَتَمَخَّضُ هَذَا غَلَطًا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ عِنْدَ عَدَمِ الِالْتِبَاسِ وَالتَّقْدِيرُ أَمِّنُونِي بِأَمَانِ عَشْرَةٍ وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْأَمَانِ مَفْهُومًا بِقَوْلِهِ أَمِّنُونِي اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ ثَانِيًا وَالْبَاءُ حِينَئِذٍ تُفِيدُ مَعْنَى الِالْتِبَاسِ وَالِامْتِزَاجِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: ٢٠] . وَكَقَوْلِهِمْ خَرَجَ زَيْدٌ بِسِلَاحِهِ. وَمِثْلُ هَذَا الْحَذْفِ فِي قَوْلِهِمْ اضْرِبْ السَّارِقَ كَالْحَدَّادِ أَيْ كَضَرْبِ الْحَدَّادِ وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى الضَّرْبِ مَفْهُومًا بِقَوْلِهِمْ اضْرِبُوا اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ وَالْبَاءُ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ عَلَى مَعْنَى الْعِوَضِ بَلْ هِيَ لِمَعَانِي جَمَّةٍ فَافْهَمْ. وَلَكِنَّ الْمُوجِبَ لِلْقَوْلِ بِالْغَلَطِ مَا ذَكَرَ أَنَّ تَخَلُّلَ الْبَاءِ بَيْنَ حُرُوفِ الْعَطْفِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ نَسْقُ الْمُتَجَانِسَاتِ أَمَّا الْمَعْنَى بِالنَّظَرِ إلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَحْدَهَا فَغَيْرُ فَاسِدٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ قَالَ أَفْتَحُ لَكُمْ عَلَى أَنِّي آمِنٌ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ أَوْ عَلَى أَنْ يُؤَمِّنُونِي فِي عَشَرَةٍ فَهُوَ آمِنٌ وَتِسْعَةٌ مَعَهُ لِأَنَّ حَرْفَ فِي لِلظَّرْفِ وَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ فِي جُمْلَةِ الْعَشَرَةِ الَّذِينَ الْتَمِسْ الْأَمَانَ لَهُمْ فَلَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ إلَّا تِسْعَةً مَعَهُ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَاوَلَ عَشَرَةً سِوَاهُ كَانَ هُوَ آمِنًا فِي أَحَدَ عَشَرَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ مَا جَعَلَ نَفْسَهُ فِي جُمْلَةِ الْعَشَرَةِ.
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ جَعَلَ الْعَشَرَةَ هُنَا ظَرْفًا لِنَفْسِهِ وَالْمَظْرُوفُ غَيْرُ الظَّرْفِ. قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ فِيمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الظَّرْفُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ إلَّا بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَحَدُهُمْ وَيُجْعَلَ كَأَنَّهُ قَالَ اجْعَلُونِي أَحَدَ الْعَشَرَةَ الَّذِينَ تُؤَمِّنُونَهُمْ. فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنَى الظَّرْفِ حَقِيقَةً يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: ٢٩] أَوْ بِمَعْنَى كَقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ. إخْبَارًا {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] . وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهَيْنِ يَثْبُتُ الْأَمَانُ لِعَشَرَةٍ سِوَاهُ. قُلْنَا الْكَلِمَةُ لِلظَّرْفِ حَقِيقَةً فَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى ذَلِكَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَذَلِكَ فِي أَنْ يَكُونَ هُوَ أَحَدُهُمْ دَاخِلًا فِي عَدَدِهِمْ فَلِهَذَا لَا تَحْمِلُهَا عَلَى الْمَجَازِ ثُمَّ الْخِيَارُ فِي التِّسْعَةِ إلَى الْإِمَامِ لَا إلَى رَأْسِ الْحِصْنِ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ أَحَدَ الْعَشَرَةِ فَكَمَا لَا خِيَارَ لِمَنْ سِوَاهُ مِنْ الْعَشَرَةِ فِي التَّعْيِينِ لَا خِيَارَ لَهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَا حَظٍّ مِنْ أَمَانِ الْعَشَرَةِ عَلَى أَنْ يَتَنَاوَلَهُ حُكْمُ أَمَانِهِمْ لَا عَلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ مُعَيِّنًا لَهُمْ وَقَدْ نَالَ مَا سَأَلَ بَقِيَ الْإِمَامُ مُوجِبًا الْأَمَانَ لِتِسْعَةٍ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ فَإِلَيْهِ بَيَانُهُمْ. وَلَوْ قَالَ آمِنُوا لِي عَشَرَةً مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ فَلَهُ عَشَرَةٌ يَخْتَارُ أَيْ عَشَرَةً شَاءَ فَإِنْ اخْتَارَ عَشَرَةً هُوَ أَحَدُهُمْ فَذَلِكَ لَهُ جَائِزٌ وَإِنْ اخْتَارَ عَشَرَةً سِوَاهُ فَالْعَشَرَةُ آمِنُونَ وَهُوَ فَيْءٌ لِأَنَّهُ مَا اسْتَأْمَنَ لِنَفْسِهِ عَيْنًا وَإِنَّمَا اسْتَأْمَنَ مِنْ لِعَشَرَةٍ مُنَكَّرَةٍ وَلَكِنْ بِقَوْلِهِ لِي شَرْطٌ لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ ذَا حَظٍّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ ذَا حَظٍّ عَلَى وَجْهِ مُبَاشَرَةِ الْأَمَانِ لَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ ذُو حَظٍّ عَلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعَيِّنُ لِلْعَشَرَةِ وَنَفْسُهُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ كَنَفْسِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْأَمَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute