وَمِنْ ذَلِكَ كَيْفَ وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ الْحَالِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْحَالِ فَإِنْ اسْتَقَامَ، وَإِلَّا بَطَلَ وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْت أَنَّهُ إيقَاعٌ وَفِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ يَقَعُ الْوَاحِدَةَ وَيَبْقَى الْفَضْلُ فِي الْوَصْفِ وَالْقَدْرِ وَهُوَ الْحَالُ مُفَوَّضًا بِشَرْطِ نِيَّةِ الزَّوْجِ، وَقَالَا مَا لَا يَقْبَلُ الْإِشَارَةَ فَحَالُهُ وَوَصْفُهُ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِهِ فَتَعَلَّقَ الْأَصْلُ بِتَعَلُّقِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
نَصًّا فَإِنْ عَيَّنَ نَفْسَهُ فِي جُمْلَةِ الْعَشَرَةِ صَارَ آمِنًا بِمَنْزِلَةِ التِّسْعَةِ الَّذِينَ عَيَّنَهُمْ مَعَ نَفْسِهِ وَإِنْ عَيَّنَ عَشَرَةً سِوَاهُ فَقَدْ تَعَيَّنَ حُكْمُ الْأَمَانِ فِيهِمْ وَصَارَ هُوَ فَيْئًا كَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ وَكَانَ مَعْنَى كَلَامِهِ أَمِّنُوا لِأَجْلِي عَشَرَةً وَأَوْجِبُوا لِي حَقَّ تَعْيِينِ عَشَرَةٍ تُؤَمِّنُونَهُمْ.
وَرُوِيَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا وَقَعَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ الَّذِي يَسْعَى فِي طَلَبِ الْأَمَانِ لِلْجَمَاعَةِ قَدْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ اللَّهُمَّ أَغْفِلْهُ عَنْ نَفْسِهِ فَطَلَبَ الْأَمَانَ لِقَوْمِهِ وَأَهْلِهِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فَأُخِذَ وَقُتِلَ. وَقِيلَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَذَلِكَ زَمَنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اسْتَأْمَنَ إلَيْهِ سَابُورُ مَلِكُ السُّوسِيِّ لِعَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَنَسِيَ نَفْسَهُ فَقَدَّمَهُ أَبُو مُوسَى وَضَرَبَ عُنُقَهُ. هَذَا كُلُّهُ مِنْ لَطَائِفِ تَقْرِيرِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَذَلِكَ أَيْ ذَلِكَ الْبَابُ يُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ الْحُرُوفِ فِي هَذَا الْبَابِ.
قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ بَابِ حُرُوفِ الْمَعَانِي كَلِمَةُ كَيْفَ كَيْفَ اسْمٌ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ وَحُرِّكَ آخِرُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَهِيَ عَلَى الْفَتْحِ دُونَ الْكَسْرِ لِمَكَانِ الْيَاءِ، وَهُوَ لِلِاسْتِفْهَامِ عَنْ الْأَحْوَالِ وَأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَرْفًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى فِي وَلَكِنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الظُّرُوفِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى عَلَى، فَإِذَا قُلْت: كَيْفَ زَيْدٌ؟ كَانَ مَعْنَاهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ هُوَ أَصَحِيحٌ أَمْ سَقِيمٌ قَاعِدٌ أَمْ قَائِمٌ إلَى آخِرِ مَالَهُ مِنْ الْأَوْصَافِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّقْدِيرِ جَارٍ مَجْرَى الظَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلْحَالِ، وَالْحَالُ جَارِيَةٌ مَجْرَى الظَّرْفِ لِأَنَّهَا مَفْعُولٌ فِيهَا عَلَى مَا عُرِفَ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ، إلَّا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَحْوَالٍ وَصِفَاتٍ لَيْسَتْ فِي يَدِ الْعَبْدِ كَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَالشَّيْخُوخَةِ وَالْكُهُولَةِ فَلَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ تَقُولَ فِيهِ كَيْفَ تَكُنْ أَكُنْ؛ لِأَنَّك بِهَذَا اللَّفْظِ تَضْمَنُ أَنْ تَكُونَ عَلَى أَحْوَالِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ مُتَعَذِّرُ الْوُقُوعِ مِنْك، بِخِلَافِ مَتَى تَجْلِسْ اجْلِسْ وَأَيْنَ تَكُنْ أَكُنْ؛ لِأَنَّك شَرَطْت عَلَى نَفْسِك أَنْ تُسَاوِيَهُ فِي الْجُلُوسِ وَالْحُلُولِ فِي الْمَكَانِ وَهَذَا مَعْنًى يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الشَّرْطِ عَلَيْهِ.
وَذُكِرَ فِي الصِّحَاحِ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهِ مَا صَحَّ أَنْ يُجَازَى بِهِ كَقَوْلِك كَيْفَمَا تَفْعَلْ أَفْعَلْ.، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت أَنَّهَا تَطْلُقُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ تَطْلِيقَةً، ثُمَّ إنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا فَقَدْ بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ وَلَا مَشِيئَةَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا فَالتَّطْلِيقَةُ الْوَاقِعَةُ رَجْعَةٌ وَالْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ ذَلِكَ.
فَإِنْ شَاءَتْ الْبَائِنَةَ، وَقَدْ نَوَاهَا الزَّوْجُ كَانَتْ بَائِنَةً، أَوْ إنْ شَاءَتْ ثَلَاثًا، وَقَدْ نَوَاهَا الزَّوْجُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَإِنْ شَاءَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَإِنْ شَاءَتْ ثَلَاثًا، وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهَا شَاءَتْ غَيْرَ مَا نَوَى وَوَقَعَتْ غَيْرَ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَلَا يُعْتَبَرُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ فَإِذَا شَاءَتْ فَالتَّفْرِيعُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْت عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا مَشِيئَةَ لَهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ، وَإِلَّا بَطَلَ وَلَا يَقَعُ عِنْدَهُمَا مَا لَمْ يَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. فَلَوْ شَاءَ عِتْقًا عَلَى مَالٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ شَاءَ التَّدْبِيرَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ عِنْدَهُ وَهُوَ حُرٌّ.
وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ مَا شَاءَ بِشَرْطِ إرَادَةِ الْمَوْلَى ذَلِكَ وَمَا رَأَيْته فِي كِتَابٍ. هُمَا يَقُولَانِ: إنَّهُ جَعَلَ الطَّلَاقَ مُفَوَّضًا إلَى مَشِيئَتِهَا فَلَا يَقَعُ بِدُونِ مَشِيئَتِهَا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ كَمْ شِئْت أَوْ حَيْثُ شِئْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ