للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُنَا الْكَامِلُ فِيمَا قُلْنَا مَا يَنْقُضُ الْبِنْيَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا هُوَ الْكَامِلُ فِي النَّقْضِ عَلَى مُقَابَلَةِ كَمَالِ الْوُجُودِ قَوْلُهُمَا: إنَّ الْبَدَنَ وَسِيلَةٌ وَهْمٌ وَغَلَطٌ؛ لِأَنَّا نَعْنِي بِهَذَا الْجِنَايَةَ عَلَى الْجِسْمِ لَكِنَّا نَعْنِي بِهِ الْجِنَايَةَ عَلَى النَّفْسِ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الْإِنْسَانِ خِلْقَةً فَالْقِصَاصُ مُقَابِلٌ بِذَلِكَ أَمَّا الْجِسْمُ فَفَرْعٌ وَأَمَّا الرُّوحُ فَلَا يَقْبَلُ الْجِنَايَةَ وَمَعْنَى الْإِنْسَانُ خِلْقَةٌ بِدَمِهِ وَطَبَائِعِهِ فَلَا يَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ، إلَّا بِجُرْحٍ يُرِيقُ دَمًا وَيَقَعُ عَلَى مَعْنَاهُ قَصْدًا فَصَارَ هَذَا أَوْلَى خُصُوصًا فِي الْعُقُوبَاتِ

ــ

[كشف الأسرار]

لِأَنَّهُ هُوَ الْكَامِلُ فِي الْبَابِ، ثُمَّ تَعَدَّى إلَى النَّاقِصِ وَهُوَ التَّقْبِيلُ وَالْمَسُّ لِمَا ذَكَرْنَا. وَكَذَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ ثَبَتَ فِي الْكَامِلِ مِنْهُ وَهُوَ مَا يَنْقُضُ الْبِنْيَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِدَلِيلِ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ.

تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: ٩٢] عَلَى مَا عُرِفَ فِي التَّفْسِيرِ فَجُعِلَ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ، ثُمَّ تَعَدَّى إلَى النَّاقِصِ مِنْهُ وَهُوَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَالدِّيَةَ مِمَّا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ. وَهُنَا الْكَامِلُ مِمَّا قُلْنَا أَيْ مِنْ مَعْنَى الْجِنَايَةِ مَا يَنْقُضُ الْبِنْيَةَ ظَاهِرًا بِتَخْرِيبِ الْجُثَّةِ وَبَاطِنًا بِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَإِفْسَادِ طَبَائِعِهِ الْأَرْبَعِ.

هَذَا هُوَ الْكَامِلُ فِي النَّقْضِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْآدَمِيِّ بِاعْتِدَالِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَكَانَ التَّفْوِيتُ الْكَامِلُ بِإِفْسَادِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَيُجْعَلُ هَذَا الْكَامِلُ أَصْلًا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ مِمَّا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ فِي الِاسْتِيفَاءِ بِالنَّصِّ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ صِفَةِ الْكَمَالِ فِيهِ، فَأَمَّا اعْتِبَارُ مُجَرَّدِ عَدَمِ احْتِمَالِ الْبِنْيَةِ إيَّاهُ مَعَ سَلَامَةِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا وَجَعْلُهُ أَصْلًا فَغَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ؛ لِأَنَّهُ نَاقِضٌ لِكَوْنِهِ قَتْلًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ.

وَدَلِيلُ النُّقْصَانِ حُكْمُ الذَّكْوَةِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَا يَنْقُضُ الْبِنْيَةَ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مُجَرَّدُ عَدَمِ احْتِمَالِ الْبِنْيَةِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ بِالْمُثَقَّلِ لَا يَحِلُّ وَلَوْ جَرَحَهُ يَحِلُّ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ.

وَقَوْلُهُمَا الْبَدَنُ وَسِيلَةٌ وَهْمٌ وَغَلَطٌ؛ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِهَذَا أَيْ بِفِعْلِ الْقَتْلِ أَوْ بِاشْتِرَاطِ الْجُرْحِ الْجِنَايَةَ عَلَى الْجِسْمِ أَيْ عَلَى الْبَدَنِ لِيَنْدَفِعَ بِقَوْلِكُمْ: الْجُرْحُ وَسِيلَةٌ وَتَبَعٌ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْوَسِيلَةِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِغَيْرِهَا، بَلْ نَعْنِي الْجِنَايَةَ عَلَى النَّفْسِ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الْإِنْسَانِ وَهِيَ دَمُهُ وَطَبَائِعُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَالْقِصَاصُ مُقَابَلٌ بِذَلِكَ أَيْ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] أَمَّا الْجِسْمُ فَفَرْعٌ يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَلَا نُرِيدُ أَنَّ الْبَدَنَ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي مَعْنَى الْإِنْسَانِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ.

وَأَمَّا الرُّوحُ فَلَا يَقْبَلُ الْجِنَايَةَ يَعْنِي مِنْ الْعِبَادِ لَكِنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ الطَّبَائِعُ الْأَرْبَعُ لَا يَتَكَامَلُ، إلَّا بِجُرْحٍ يُخَرِّبُ الْبِنْيَةَ وَيُرِيقُ الدَّمَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَاقَ الدَّمَ فَقَدْ اتَّصَلَ أَثَرُ فِعْلِهِ بِهِ قَصْدٌ أَوْ الْمَجْمُوعُ يَبْطُلُ بِبُطْلَانِ بَعْضِهِ فَيَكُونُ مُبْطِلًا مَعْنَى الْإِنْسَانِ بِالْإِرَاقَةِ قَصْدًا فَيَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ. وَلِهَذَا كَانَ الْغَرْزُ بِالْإِبْرَةِ فِي الْمَقْتَلِ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ مُسِيلٌ لِلدَّمِ مُؤَثِّرٌ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُوجِبًا الْحِلَّ فِي الذَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَاكَ تَسْيِيلُ جَمِيعِ الدَّمِ لِيَتَمَيَّزَ بِهِ الطَّاهِرُ مِنْ النَّجَسِ وَلِهَذَا اُخْتُصَّ بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومِ عِنْدَ التَّيَسُّرِ.

فَصَارَ هَذَا أَيْ اعْتِبَارُ الْكَمَالِ فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ. أَوْلَى مِمَّا قَالَاهُ. خُصُوصًا فِي الْعُقُوبَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْنَا مَا ذَكَرُوا مِنْ مَسْأَلَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ مَا وَجَبَ قِصَاصًا وَإِنَّمَا وَجَبَ جَزَاءً عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَيِّ قَتْلٍ كَانَ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلُوا بِالسَّوْطِ يَجِبُ أَيْضًا فَأَمَّا الْقَتْلُ قِصَاصًا فَقَدْ وَجَبَ جَزَاءً عَلَى فِعْلٍ كَامِلٍ بِصِفَةِ الْعَمْدِيَّةِ وَفِي الْعَمْدِيَّةِ خَلَلٌ وَقُصُورٌ.

قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ سَلَامَةَ الظَّاهِرِ شُبْهَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>