للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا أَوْجَبَا حَدَّ الزِّنَا بِاللِّوَاطَةِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ الزِّنَا اسْمٌ لِفِعْلٍ مَعْلُومٍ وَمَعْنَاهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِسَفْحِ الْمَاءِ فِي مَحَلٍّ مُحَرَّمٍ مُشْتَهًى وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي اللِّوَاطَةِ وَزِيَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُرْمَةِ فَوْقَهُ وَفِي سَفْحِ الْمَاءِ فَوْقَهُ وَفِي الشَّهْوَةِ مِثْلُهُ وَهَذَا مَعْنَى الزِّنَا لُغَةً.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْكَامِلَ أَصْلٌ فِي كُلِّ بَابٍ خُصُوصًا فِي الْحُدُودِ وَالْكَامِلُ فِي سَفْحِ الْمَاءِ مَا يُهْلِكُ الْبَشَرَ حُكْمًا وَهُوَ الزِّنَا؛ لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا هَالِكٌ حُكْمًا لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

فَلَمْ يُوجِبْ مَعَهَا الْقِصَاصَ وَهَذَا مِنْهُ اسْتِقْصَاءٌ فِي الِاحْتِيَالِ لِلدَّرْءِ أَوْ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ فِي تَفْسِيرِ عَمْدِ الْقَتْلِ عِنْدَ النَّاسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِمَّا ثَبَتَ بِالدَّلَالَةِ وُجُوبُ حَدِّ الزِّنَا فِي اللِّوَاطَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا. وَالْبَاءُ الْأُولَى لِلسَّبَبِيَّةِ وَالثَّانِيَةُ لِلِاسْتِعَانَةِ يَعْنِي أَوْجَبَا بِدَلَالَةِ النَّصِّ حَدَّ الزِّنَا بِسَبَبِ اللِّوَاطَةِ فَقَالَا اللِّوَاطَةُ وَإِتْيَانُ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ مِنْهَا يُوجِبُ حَدَّ الزِّنَا عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَيُرْجَمَانِ إنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ وَيُجْلَدَانِ إنْ لَمْ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجِبُ فِيهَا الْحَدُّ وَلَكِنْ يَجِبُ فِيهَا أَشَدُّ التَّعْزِيرِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ إنْ اعْتَادَ ذَلِكَ، كَذَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوَاهُ نَاقِلًا عَنْ الرَّوْضَةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْغُلَامِ أَمَّا فِي وَطْءِ الْمَرْأَةِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ فَيُوجِبُ الْحَدَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ وَمَنْكُوحَتِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُقْتَضٍ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ. تَمَسَّكَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الزِّنَا شَرْعًا وَلُغَةً اسْمٌ لِفِعْلٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ إيلَاجُ الْفَرْجِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى يُسَمَّى قُبُلًا عَلَى سَبِيلِ الْحُرْمَةِ. وَمَعْنَاهُ أَيْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ اقْتِضَاءُ شَهْوَةِ الْفَرْجِ بِسَفْحِ الْمَاءِ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ لَا لِقَصْدِ الْوَلَدِ؛ وَلِذَلِكَ يُسَمَّى سِفَاحًا.

وَهَذَا الْمَعْنَى أَيْ مَعْنَى الزِّنَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي اللِّوَاطَةِ وَزِيَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَيْ لِأَنَّ فِعْلَ اللِّوَاطَةِ فِي الْحُرْمَةِ فَوْقَ الزِّنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْكَشِفُ بِحَالٍ فَصَارَ نَظِيرَ الزِّنَا بِالْأُمِّ فَإِنَّهُ أَفْحَشُ مِنْ الزِّنَا بِالْأَجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا لَا تَنْكَشِفُ بِوَجْهٍ.

وَفِي سَفْحِ الْمَاءِ فَوْقَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى النَّسْلِ فِي الزِّنَا مَعْدُومٌ قَصْدًا وَفِي اللِّوَاطَةِ مَعْدُومٌ قَصْدًا أَوْ زِيَادَةً؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَصْلُحُ لِلنَّسْلِ فَيَكُونُ أَشَدَّ تَضْيِيعًا لِلْمَاءِ فَإِنَّهُ بَذْرٌ وَإِلْقَاءُ الْبَذْرِ فِي مَحَلٍّ لَا يَنْبُتُ يَكُونُ أَشَدَّ تَضْيِيعًا لَهُ مِنْ إلْقَائِهِ فِي مَحَلٍّ يَنْبُتُ عَلَى قَصْدِ أَنْ لَا يَنْبُتَ لِمَانِعٍ مِنْ الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ.

وَفِي الشَّهْوَةِ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ مَعَانِيَ الِاشْتِهَاءِ مِنْ الْحَرَارَةِ وَاللِّينِ وَغَيْرِهِمَا مَحْسُوسَةٌ فِي هَذَا الْمَحِلِّ كَمَا هِيَ مَحْسُوسَةٌ فِي مَحَلِّ الْحَرْثِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا بِالطَّبْعِ دُونَ الشَّرْعِ لَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ وَأَنَّ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ يَجِبُ فِيهَا بِنَفْسِ الْإِيلَاجِ فِي الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَبْتَنِي عَلَى الْفِطْرِ بِاقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ وَهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ.

وَفِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَا يَتَحَقَّقُ الْفِطْرُ حَتَّى يُنْزِلَ؛ لِأَنَّهُ دُونَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ فِي اللِّوَاطَةِ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْإِيلَاجِ كَمَا فِي الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي اسْتِجْلَابِ الْمَنِيِّ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْغُسْلِ وَفِي جِمَاعِ الْبَهِيمَةِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْإِنْزَالِ فَثَبَتَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ، إلَّا أَنَّهُ تَبَدَّلَ الِاسْمُ مِنْ الزِّنَا إلَى اللِّوَاطَةِ بِاعْتِبَارِ تَبَدُّلِ الْمَحِلِّ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ كَتَبَدُّلِ اسْمِ الطِّرَارِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِ السَّارِقِ فِي حَقِّهِ بَعْدَ وُجُودِ كَمَالِ الْعِلَّةِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ الرَّجْمِ تَعَدَّى مِنْ مَاعِزٍ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ يُفَارِقُهُ بِاسْمِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.

وَهَذَا مَعْنَى الزِّنَا لُغَةً أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَى الزِّنَا ثَابِتٌ لُغَةً لَا اجْتِهَادًا إذْ يَعْرِفُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فَكَانَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ ثَابِتًا بِالدَّلَالَةِ لَا بِالْقِيَاسِ. وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَنْ هَذَا أَيْ عَمَّا ذَكَرْنَا فِي جَانِبِهِمَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>