للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْخَطَأُ فَدَائِرٌ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ وَالْيَمِينُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ وَالْكَذِبُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ

ــ

[كشف الأسرار]

ابْتِدَاءً تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى أَمَّا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا فَلِأَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَمَا شُرِعَ الصَّوْمُ خَالِيًا عَنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَلِأَنَّهَا تُكَفِّرُ الذَّنْبَ وَتَمْحُوهُ وَلَنْ يَقَعَ التَّكْفِيرُ إلَّا بِمَا هُوَ طَاعَةٌ وَقُرْبَةٌ وَلِهَذَا كَانَتْ النِّيَّةُ فِيهَا شَرْطًا وَفُوِّضَ أَدَاؤُهَا إلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِيُؤَدِّيَهَا بِاخْتِيَارِهِ وَالْعُقُوبَاتُ تُقَامُ كُرْهًا وَجَبْرًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا مُشْتَمِلًا عَلَى صِفَتَيْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِيَكُونَ مَعْنَى الْعِبَادَةِ مُضَافًا إلَى صِفَةِ الْإِبَاحَةِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ مُضَافًا إلَى صِفَةِ الْحَظْرِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ أَبَدًا يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الْمُؤَثِّرِ وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ مَحْظُورٌ مَحْضٌ.

وَكَذَا الْغَمُوسُ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ بِدُونِ الِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ حَرَامٌ لَيْسَ فِيهِ إبَاحَةٌ فَمَعَ الِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ أَوْلَى فَكَانَ الْعَمْدُ وَالْغَمُوسُ بِمَنْزِلَةِ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا فَلَا يَصْلُحَانِ سَبَبَيْنِ لِلْكَفَّارَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُبَاحَ الْمَحْضَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ مِثْلُ الْقَتْلِ بِحَقٍّ وَالْيَمِينُ الْمَعْقُودَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ مَعَ أَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا رَاجِحٌ سِوَى كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فَلَأَنْ لَا يَصْلُحَ الْمَحْظُورُ الْمَحْضُ كَانَ أَوْلَى. وَأَمَّا الْخَطَأُ فَدَائِرٌ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ أَيْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ رَمْيٌ إلَى الصَّيْدِ أَوْ إلَى كَافِرٍ وَهُوَ مُبَاحٌ. وَبِاعْتِبَارِ تَرْكِ التَّثَبُّتِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَحِلِّ هُوَ مَحْظُورٌ؛ لِأَنَّهُ أَصَابَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا مَعْصُومًا فَيَصْلُحُ سَبَبًا لَهَا. وَكَذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَعْقُودَةِ صِفَتَا الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَلِهَذَا شُرِعَتْ فِي بَيْعَةِ نُصْرَةِ الْحَقِّ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَحْلِفُونَ فِي الْبَيْعَةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ وَلَا يُؤْثِرُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ. وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَحْلِفُ فِي الْمُبَايَعَةِ لِلْبَعْضِ وَهِيَ أَيْضًا مَنْهِيٌّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] أَيْ بَذْلُهُ فِي كُلِّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ وَقَوْلُهُ {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: ٨٩] أَيْ امْتَنِعُوا عَنْ الْيَمِينِ وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ عَنْهَا

وَالثَّانِي أَنَّ الْيَمِينَ الصَّادِقَةَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ يُحْلَفُ بِهَا فِي الْخُصُومَاتِ وَتَلْزَمُنَا شَرْعًا فَكَانَتْ مُبَاحَةً، إلَّا أَنَّهَا تَأْخُذُ مَعْنَى الْحَظْرِ بِاعْتِبَارِ الْحِنْثِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْكَذِبُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَيْ الْحِنْثُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَكَانَتْ دَائِرَةً بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَتَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ يُشِيرُ إلَى الْيَمِينِ مَعَ الْحِنْثِ سَبَبٌ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ نَفْسَ الْيَمِينِ سَبَبٌ وَالْحِنْثُ شَرْطٌ وَإِلَى كُلِّ وَاحِدٍ ذَهَبَ فَرِيقٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَّارَةِ بِوَصْفِ الْجِنَايَةِ مُنْفَرِدًا غَلَطٌ وَأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ صَحِيحٍ.

وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا الْإِفْطَارُ سَبَبٌ فِي رَمَضَانَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ وَالزِّنَا لَيْسَا بِسَبَبَيْنِ لِلْكَفَّارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ لَا يَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ الْفِطْرُ وَأَنَّهُ جِنَايَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ يَحْصُلُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ مَشْرُوعٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الصَّوْمَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْفِطْرِ مَحْظُورٌ فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ عَلَى أَنَّ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ شَبَهُ الْعُقُوبَةِ رَاجِحٌ عَلَى مَا عُرِفَ فَجَازَ إيجَابُهَا بِمَا يَتَرَجَّحُ مَعْنَى الْحَظْرِ فِيهِ، كَذَا فِي طَرِيقَةِ الْإِمَامِ الْبُرْغَرِيِّ.

وَرَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَمَّا الْفِطْرُ فَإِنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا أَمَّا الْإِبَاحَةُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>