وَمِثَالُهُ مَا قُلْنَا إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ: اعْتَدِّي وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ مُقْتَضَى الْأَمْرِ بِالِاعْتِدَادِ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ وَلِهَذَا كَانَ رَجْعِيًّا وَمِثَالُ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ إنْ أَكَلْت فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ إنْ شَرِبْت وَنَوَى خُصُوصَ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَنَا،
وَمَنْ قَالَ إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى مَكَانًا دُونَ مَكَان لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَنَا وَمَنْ قَالَ: إنْ اغْتَسَلْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى تَخْصِيصَ الْأَسْبَابِ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَنَا لِمَا قُلْنَا
ــ
[كشف الأسرار]
فِيمَا يَحْتَمِلُهُ، وَقَدْ وَقَعَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ وَهُمَا كَذَلِكَ وَمِثْلُ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ زَائِدًا.
وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ وَأَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فَلَيْسَ الْقَبْضُ فِيهِ بِشَرْطٍ أَصْلِيٍّ فَإِنَّ الْجَائِزَ يَعْمَلُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَالْفَاسِدَ لَيْسَ بِأَصْلٍ بِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْجَائِزِ لَكِنَّهُ لِضَعْفِهِ احْتَاجَ إلَى قَبْضٍ مُقَوٍّ، وَإِذَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الْعِتْقِ تَقَوَّى بِهِ فَصَارَ مِثْلَ الْجَائِزِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَاسْتَغْنَى عَنْ الْقَبْضِ فَعَمِلَ عَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ سَاقِطٌ لَا عَلَى أَنَّهُ حَاصِلٌ فَأَمَّا الْهِبَةُ فَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ الْقَبْضِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ أَصْلِيٌّ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْهِبَةَ الْجَائِزَةَ لَا تَعْمَلُ، إلَّا بِهِ.
وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ أَنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ وَإِنْ تَلِفَتْ بِالْإِعْتَاقِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِ الْعَبْدِ شَيْءٌ مِنْهَا وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ يَنْتَفِعُ بِهَذَا الْإِعْتَاقِ يَنْدَرِجُ فِيهِ أَدْنَى قَبْضٍ وَذَلِكَ يَكْفِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ دُونَ الْهِبَةِ كَالْقَبْضِ مَعَ الشُّيُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَعَ الِاتِّصَالِ فِي الثِّمَارِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ يَكْفِي لِوُقُوعِ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ دُونَ الْهِبَةِ، عَلَى أَنَّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَقَعُ، إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَمَّا يُوجَدْ كَمَا فِي الْهِبَةِ.
١ -
قَوْلُهُ (وَمِثَالُهُ) أَيْ مِثَالُهُ الْآخَرُ قَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا اعْتَدِّي نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ مُقْتَضِي الْأَمْرِ بِالِاعْتِدَادِ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الِاعْتِدَادِ عَنْ النِّكَاحِ تَقَدُّمُ الطَّلَاقِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْك الطَّلَاقُ فَاعْتَدِّي.
وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَهَا فِي الْعِدَّةِ اعْتَدِّي نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ حَيْثُ يَقَعُ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ؛ لِأَنَّ لِلْأَمْرِ صِحَّةٌ بِدُونِ تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ لِقِيَامِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: لَا أَثَرَ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ فِي تَصْحِيحِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهَا اعْتِدَادٌ لِهَذَا الْكَلَامِ أَثَرٌ فِي إيجَابِهِ وَوُجُوبُ هَذِهِ الْعِدَّةِ قَدْ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ، ثُمَّ لِتَصْحِيحِ هَذَا الْكَلَامِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَدِّمَ الطَّلَاقَ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَعَارًا لِلطَّلَاقِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِتَقْدِيمِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ سِوَى تَتْمِيمِ تِلْكَ الْعِدَّةِ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا صَرِيحًا فَيُجْعَلُ مُسْتَعَارًا لِلطَّلَاقِ تَصْحِيحًا لَهُ وَاحْتِرَازًا عَنْ الْغَايَةِ.
وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِ الطَّلَاقِ ثَابِتًا اقْتِضَاءً لَمْ يَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِالْوَاحِدَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَلَا يُصَارُ إلَى الثَّلَاثِ وَالْبَائِنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلُهُ (وَمِثَالُ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ) أَيْ مِثَالُ الْمُقْتَضِي الَّذِي يَجْرِي الْعُمُومُ فِيهِ عِنْدَهُ وَلَا يَجْرِي عِنْدَنَا قَوْلُهُ إنْ أَكَلْت فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ أَنْ شَرِبْت.
وَنَوَى خُصُوصَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَيْ نَوَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ أَوْ شَرَابًا دُونَ شَرَابٍ لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا عِنْدَنَا لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَالْمَأْكُولَ مَحَلُّ الْفِعْلِ وَاسْمُ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ اسْمًا لِلْمَحَلِّ وَلَا دَلِيلًا عَلَيْهِ لُغَةً، إلَّا أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْمَحَلِّ فَيَثْبُتُ الْمَحَلُّ مُقْتَضًى فَكَانَ ثَابِتًا فِي حَقِّ مَا يَلْفِظُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ دُونَ صِحَّةِ النِّيَّةِ إذْ هُوَ فِيمَا وَرَاءَ الْمَلْفُوظِ غَيْرُ ثَابِتٍ فَكَانَتْ النِّيَّةُ وَاقِعَةً فِي غَيْرِ الْمَلْفُوظِ فَتَلْغُو.
، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ إذَا نَوَى مَكَانًا دُونَ مَكَان بِأَنْ نَوَى الْخُرُوجَ إلَى بَغْدَادَ مَثَلًا لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ خَرَجْت وَإِنْ دَلَّ عَلَى الْمَصْدَرِ لُغَةً لَا يَتَنَاوَلُ مَكَانًا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ مُقْتَضًى؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ