للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ بِحُكْمِ الْعِتْقِ يُتْلِفُ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فِي يَدِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُوضٍ لِلطَّالِبِ وَلَا لِلْعَبْدِ وَلَا هُوَ مُحْتَمِلٌ لَهُ

وَقَوْلُهُ: إنَّ الْقَبْضَ يَسْقُطُ، بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمُقْتَضِي بِهَذَا الطَّرِيقِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِهِ مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ وَالْقَبْضُ وَالتَّسْلِيمُ فِي الْهِبَةِ شَرْطٌ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِحَالٍ وَدَلِيلُ السُّقُوطِ يَعْمَلُ فِي مَحِلِّهِ، وَأَمَّا الْقَبُولُ فِي الْبَيْعِ فَيَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكُلَّ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَيَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي فَالشَّطْرُ أَوْلَى، وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا فَاقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ صَحَّ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ مَشْرُوعٌ مِثْلُ الصَّحِيحِ فَاحْتَمَلَ سُقُوطَ الْقَبْضِ عَنْهُ فَصَحَّ إسْقَاطُهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ

ــ

[كشف الأسرار]

أَنَّ مَا يَثْبُتُ مُقْتَضًى يَثْبُتُ بِشُرُوطِ الْمُقْتَضِي لَا بِشُرُوطِ نَفْسِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ الْعِتْقَ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَلَا صِحَّةَ لِلْعِتْقِ، إلَّا بِالْمِلْكِ صَارَ طَالِبًا لِلْهِبَةِ وَالْهِبَةُ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ، إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ إمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَإِمَّا تَقْدِيرًا فَلِأَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ أَيْ مَالِيَّتَهُ بِحُكْمِ الْإِعْتَاقِ تَتْلَفُ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْعِتْقِ مِلْكَهُ وَالْإِعْتَاقُ إبْطَالٌ لِلْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةُ فِي يَدِ نَفْسِهِ أَيْ فِي يَدِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ الْعَبْد؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ فِي ذَاتِهِ حَقِيقَةً وَلَهُ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا حَتَّى صَحَّ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَى عَبْدِ رَبِّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى وَلِأَنَّهُ اسْتِرْدَادُ مَا أَوْدَعَهُ الْعَبْدُ مِنْ الْمُودِعِ وَذَلِكَ أَيْ الْمُتْلَفُ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا لِلطَّالِبِ وَلَا لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ وَلَا هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْقَبْضِ لِأَنَّهُ هَالِكٌ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَا هُوَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْآمِرِ لَمْ يَثْبُتْ الْعِتْقُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَوَقَعَ عَنْ الْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ لَا مَرَدَّ لَهُ.

وَانْدَرَجَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ الْقَبْضُ قَدْ وُجِدَ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ إلَيْهِ الْمَالِيَّةُ وَالْهِبَةُ تَقَعُ فِي تِلْكَ الْمَالِيَّةِ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَيَقَعُ الْمِلْكُ مُسَلَّمًا إلَيْهِ لِقِيَامِ يَدِهِ فَصَارَ كَهِبَةِ الشَّيْءِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ حَيْثُ يُكْتَفَى بِذَلِكَ الْقَبْضِ وَلَا يَجِبُ قَبْضُ جَدِيدٍ وَكَقَوْلِهِ لِآخَرَ أَطْعِمْ عَنِّي كَفَّارَتِي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ حَيْثُ يَجُوزُ وَيُجْعَلُ الْفَقِيرُ قَابِضًا نِيَابَةً عَنْ الْآمِرِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُ جِنْسَ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ فِيمَا إذَا قَالَ لِعَبْدٍ اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك فَفَعَلَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَمَّا بَاعَ صَارَ مُسَلَّمًا بِنَفْسِ الْبَيْعِ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ يَدُ الطَّالِبِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَكَذَا هَهُنَا. فَقَالَ: الْمَالِيَّةُ لَمْ تَصِلْ إلَى الْعَبْدِ بَلْ تَلِفَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدٌ قَابِضًا لَهَا.

بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ فَإِنَّ الْمِسْكِينَ يَقْبِضُ عَيْنَ الطَّعَامِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَابِضًا لِلْآمِرِ أَوَّلًا، ثُمَّ لِنَفْسِهِ.

وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ لَمْ يَتْلَفْ الْمِلْكُ وَالْمَالِيَّةُ بَلْ انْتَقَلَا إلَى الْمُشْتَرِي فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْعَبْدُ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ.

وَقَوْلُهُ إنَّ الْقَبْضَ يَسْقُطُ بِالِاقْتِضَاءِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمُقْتَضَى بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ بِشُرُوطِ الْمُقْتَضِي وَيَسْقُطَ اعْتِبَارُ شُرُوطِهِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ فَيُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ دُونَ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ وَالْقَبْضُ وَالتَّسْلِيمُ شَرْطٌ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فِي الْهِبَةِ بِحَالٍ إذْ لَمْ يُوجَدْ صُورَةٌ أَوْجَبَتْ الْهِبَةَ الْمِلْكَ بِدُونِ الْقَبْضِ وَدَلِيلُ السُّقُوطِ وَهُوَ الِاقْتِضَاءُ يَعْمَلُ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ دُونَ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ.

وَأَمَّا الْقَبُولُ فِي الْبَيْعِ فَيَحْتَمِلُ السُّقُوطَ لِمَا ذُكِرَ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ بِالِاقْتِضَاءِ عَلَى أَنَّا لَا نَجْعَلُ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ بِعْهُ مِنِّي، ثُمَّ أَعْتِقْهُ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَلْ نَجْعَلُ تَقْدِيرَهُ كَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرَيْته مِنْك فَأَعْتِقْهُ عَنِّي وَكَانَ الْمَأْمُورُ إذَا أَعْتَقَهُ قَالَ بِعْته مِنْك، ثُمَّ أُعْتِقُهُ عَنْك، كَذَا فِي طَرِيقَةِ الْإِمَامِ الْبُرْغَرِيِّ.

وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ فَيُعْتَبَرُ بِهِ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَصْلًا لِيُعْرَفَ حُكْمُهُ مِنْ نَفْسِهِ. فَاحْتَمَلَ أَيْ الْفَاسِدُ سُقُوطَ الْقَبْضِ عَنْهُ نَظَرًا إلَى أَصْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ بِالنَّظَرِ إلَى وَصْفِهِ فَصَحَّ إسْقَاطُهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ السُّقُوطِ فَيَعْمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>