وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَمَّةَ دَاخِلٌ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَرَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ نَظَرًا فَلَوْ دَخَلَ عَلَى السَّبَبِ لِتَعَلُّقِهِ بِحُكْمِهِ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ دَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ لَنَزَلَ سَبَبُهُ وَهُوَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَيَصْلُحُ التَّدَارُكُ بِهِ بِأَنْ يَصِيرَ غَيْرَ لَازِمٍ بِأَدْنَى الْمُخْطِرَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى وَأَمَّا هَذَا فَيَحْتَمِلُ الْخَطَرَ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِكَمَالِ التَّعْلِيقِ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَنِثَ
ــ
[كشف الأسرار]
لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى تِلْكَ الْوَاسِطَةِ مُوصِلًا إلَى الْحُكْمِ كَالْجُرْحِ يُفْضِي إلَى الْأَلَمِ وَالْأَلَمُ يُفْضِي إلَى تَلَفِ النَّفْسِ وَهَاهُنَا الْحِنْثُ مَمْنُوعٌ بِحُكْمِ الْيَمِينِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَيْفَ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ مُفْضِيَةً إلَى الْحُكْمِ كَذَا فِي طَرِيقَةِ الْإِمَامِ الْبُرْغَرِيِّ.
وَتَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ بِمَعْنَى الْأَجَلِ يَعْنِي تَبَيَّنَ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَيْسَ كَالتَّأْجِيلِ فَإِنَّ التَّأْجِيلَ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ السَّبَبِ بِالْمَحَلِّ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فِي الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ جَمِيعًا الْعَقْدُ وَمَحَلَّ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ وَالتَّأْجِيلَ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَلَا ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُ الْمُطَالَبَةَ وَالْأَجَلَ مِمَّا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَيَسْقُطُ بِالتَّعْجِيلِ وَيَتَحَقَّقُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَيَمْنَعُ وُصُولَهُ إلَى الْمَحَلِّ وَقَبْلَ الْوُصُولِ لَا يَتِمُّ السَّبَبُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ قَبْلَ تَمَامِ السَّبَبِ دَاخِلٌ عَلَى السَّبَبِ الْمُوجِبِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَصَارَ الْحُكْمُ مَعْدُومًا بَعْدَ الشَّرْطِ أَيْ بَعْدَ ذِكْرِ الشَّرْطِ قَبْلَ وُجُودِهِ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ أَيْ الْعَدَمِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ لَا لِمَانِعٍ يَمْنَعُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ فَإِنْ وُجِدَ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ مَعَ قِيَامِ التَّعْلِيقِ يَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ كَمَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ وَإِلَّا فَلَا فَفِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: ٢٥] الْآيَةُ قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْجَوَازِ بِدُونِ الشَّرْطِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] ، {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] ، {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ إذْ لَمْ يُعَارِضْهُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ وَفِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: ١٩٦] {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣] لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ قَبْلَ وُجُودِ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ.
قَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَأَخَوَاتِهِ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهِ دَاخِلٌ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَرَ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِثْبَاتَاتِ وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ الْخَطَرَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْقِمَارِ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ وَفِي جَعْلِهِ مُتَعَلِّقًا بِالشَّرْطِ خَطَرٌ تَامٌّ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْبَيْعُ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَ ذَلِكَ ضَرُورَةَ دَفْعِ الْغَبْنِ فَكَانَ نَظِيرَ أَكْلِ الْمَيِّتَةِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِجَعْلِهِ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ دَاخِلًا عَلَى السَّبَبِ لِتَعَلُّقِ حُكْمِهِ أَيْضًا ضَرُورَةَ اسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ قَبْلَ السَّبَبِ وَلَوْ جُعِلَ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ لَنَزَلَ سَبَبُهُ أَيْ انْعَقَدَ وَنَفَذَ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالشَّرْطِ إلَّا أَنَّ حُكْمَهُ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَالْحُكْمُ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّأَخُّرَ عَنْ السَّبَبِ فَكَانَ جَعْلُهُ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ أَوْلَى تَقْلِيلًا لِلْخَطَرِ وَفِيهِ تَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ أَيْضًا وَكَانَ قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ السَّبَبُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ جَوَابُ سُؤَالٍ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ السَّبَبُ لَمَّا نَزَلَ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالشَّرْطِ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهُ بِدُونِ رِضَاءِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ لِصَاحِبِ الْخِيَارِ فَقَالَ: الْبَيْعُ مِمَّا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَيُمْكِنُ تَدَارُكُ زَوَالِ السَّبَبِ أَوْ تَدَارُكُ دَفْعِ الْغَبْنِ بِأَنْ يُجْعَلَ غَيْرَ لَازِمٍ لِيُمْكِنَهُ فَسْخُهُ بِدُونِ رِضَاءِ صَاحِبِهِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي.
وَقَوْلُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ بَدَلَ مَنْ بِهِ وَالْبَاءُ فِي بِأَدْنَى مُتَعَلِّقَةٌ بِيُجْعَلَ أَيْ يُمْكِنُ تَدَارُكُ دَفْعِ الْغَبْنِ بِإِدْخَالِ الشَّرْطِ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ بِأَنْ يُجْعَلَ السَّبَبُ وَهُوَ الْبَيْعُ غَيْرَ لَازِمٍ بِأَدْنَى الْخَطَرَيْنِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute