للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ نَقْضُ الْعَقْدِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا وَتَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ بِمَعْنَى الْأَجَلِ لِأَنَّ هَذَا دَاخِلٌ عَلَى السَّبَبِ الْمُوجِبِ فَمَنَعَهُ عَنْ اتِّصَالِهِ بِمَحَلِّهِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ مِنِّي لَمْ يَتَّصِلْ بِقَوْلِهِ حُرٌّ لَمْ يَعْمَلْ فَصَارَ الْحُكْمُ مَعْدُومًا بَعْدَ الشَّرْطِ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ

ــ

[كشف الأسرار]

فَلَا يَكُونُ سَبَبًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَرُبَّمَا ذَكَرْنَا يَتَبَيَّنُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْإِيجَابِ فِي وَقْتِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا لِوُقُوعِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ الْحُرِّيَّةَ فَيَتَحَقَّقُ السَّبَبُ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً وَعَدَمِ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ لِأَنَّ الْغَدَ وَمَا يُشْبِهُهُ تَعْيِينُ زَمَانِ الْوُقُوعِ وَالزَّمَانُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُقُوعِ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ تَحْقِيقًا لِلسَّبَبِيَّةِ وَالتَّعْلِيقُ مَانِعًا عَنْهَا وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي نَوَادِرِ الصَّوْمِ مِنْ الْمَبْسُوطِ إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ غَدًا فَعَجَّلَ يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ السَّبَبِ فِي الْإِضَافَةِ وَعَدَمِهِ فِي التَّعْلِيقِ.

وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِرِّ لَيْسَ بِطَرِيقٍ إلَى الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْحِنْثِ أَيْ عِنْدَ الْحِنْثِ وَالْيَمِينِ مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ مُوجِبَةٌ لِضِدِّهِ وَهُوَ الْبِرُّ فَكَيْفَ يَكُونُ مُفْضِيَةً إلَى مَا هِيَ مَانِعَةٌ عَنْهُ.

وَقَوْلُهُ وَهُوَ نَقَضَ الْعَقْدَ أَيْ الْحِنْثُ نَقَضَ الْيَمِينَ دَلِيلٌ آخَرُ يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ لَا تَصْلُحُ سَبَبًا لَهَا أَيْضًا لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى مَعَ الْحِنْثِ لِأَنَّ الْحِنْثَ يُنَافِي الْيَمِينَ لِأَنَّهُ نَقْضُ الْيَمِينِ وَمَا يَنْقُضُ الْعَقْدَ يُنَافِيهِ لَا مَحَالَةَ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ الْيَمِينُ عِنْدَ الْحِنْثِ الَّذِي تَعَلَّقَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِهِ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لَهَا قَبْلَ الْحِنْثِ لِأَنَّ مِنْ أَوْصَافِ السَّبَبِ أَنْ يُتَصَوَّرَ تَقَرُّرُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُسَبِّبِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا خِلَافُ النَّصِّ وَالْعُرْفِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ الْكَفَّارَةَ إلَى الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ أَيْضًا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ فَحَنِثَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَلَفَ مُخَاطِبٌ ثُمَّ جُنَّ فَحَنِثَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَكَذَا فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَلَمَّا شَرَطَتْ أَهْلِيَّتُهُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْيَمِينِ لَا عِنْدَ الْحِنْثِ عُلِمَ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْيَمِينُ وَقَوْلُكُمْ الْيَمِينُ لَا تَصْلُحُ طَرِيقًا إلَى الْكَفَّارَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَوْلَا الْيَمِينُ لَمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يُتَوَصَّلُ بِوَاسِطَةِ الْحِنْثِ لَا بِنَفْسِ الْيَمِينِ وَهَذَا هُوَ حَدُّ السَّبَبِ وَهُوَ أَنْ يُوصَلَ إلَيْهِ بِوَاسِطَةٍ كَالْجُرْحِ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ بِوَاسِطَةِ السِّرَايَةِ.

قُلْنَا: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَلَكِنْ نَقُولُ هِيَ سَبَبٌ لَهَا بَعْدَ الْحِنْثِ وَفَوَاتُ الْبِرِّ بِطَرِيقِ الِانْقِلَابِ وَالْكَفَّارَةُ مُضَافَةٌ إلَى تِلْكَ الْيَمِينِ لَا إلَى الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَظِيرُهُ الصَّوْمُ وَالْإِحْرَامُ فَإِنَّهُمَا يَمْنَعَانِ عَنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورِهِمَا وَبَعْدَ الِارْتِكَابِ يَصِيرَانِ سَبَبَيْنِ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِطَرِيقِ الِانْقِلَابِ وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ الْيَمِينَ فِيمَا مَضَى سَبَبٌ لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَلَكِنْ خُلْفًا عَنْ الْبِرِّ لَا أَصْلًا وَالْخُلْفُ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ لِإِيجَابِ الْأَصْلِ لَا لِلْبَقَاءِ وَالْخُلْفُ يَخْلُفُهُ فِي الْبَقَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ الثَّمَنِ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ بَيْعٍ وَيَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِ الْبَيْعِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ أَوْ بَيْعِهِ مِنْ إنْسَانٍ آخَرَ وَكَذَا الْمَهْرُ يَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ فَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْيَمِينِ فَلَيْسَتْ لِكَوْنِهَا سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ أَوْ الطَّلَاقِ وَلَكِنْ لِكَوْنِهَا سَبَبًا لِلْبِرِّ وَالْأَسْبَابُ الْمُلْزِمَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ فَأَمَّا الْعَاقِلُ إذَا حَلَفَ ثُمَّ جُنَّ فَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْكَفَّارَةِ بِوَاسِطَةِ الْحِنْثِ فَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ السَّبَبَ إذَا كَانَ يَصِيرُ سَبَبًا بِوَاسِطَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>