فَبَقِيَ غَيْرَ مُضَافٍ إلَيْهِ وَبِدُونِ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا أَلَا تَرَى أَنَّ السَّبَبَ مَا يَكُونُ طَرِيقًا وَالسَّبَبَ الْمُعَلَّقَ يَمِينٌ عُقِدَتْ عَلَى الْبِرِّ وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِرِّ لَيْسَ بِطَرِيقٍ إلَى الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْحِنْثِ
ــ
[كشف الأسرار]
مَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ الْخَشَبُ لَا يَنْعَقِدُ نَجْرًا.
وَكَذَا الْكَسْرُ مَعَ الِانْكِسَارِ وَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ إلَى الْمَحَلِّ لَمْ يَصِرْ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ عِلَّةً وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْغُوَ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْمَحَلِّ كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنَّ وُصُولَهُ إلَى الْمَحَلِّ لَمَّا كَانَ مَرْجُوًّا بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَانْحِلَالِ التَّعْلِيقِ جَعَلْنَاهُ كَلَامًا صَحِيحًا لَهُ عَرَضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا كَشَطْرِ الْبَيْعِ لَهُ عَرَضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا بِوُجُودِ الشَّطْرِ الْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ لَا يُرْجَى وُجُودُهُ وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لَغَا أَيْضًا بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ مَانِعًا لِلْعِلَّةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَانِعًا لِلْحُكْمِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَهُوَ مَذْهَبٌ فَاسِدٌ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ الرَّمْيُ فَإِنَّ نَفْسَهُ لَيْسَ بِقَتْلٍ وَلَكِنَّهُ بِعَرَضٍ أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا إذَا اتَّصَلَ السَّهْمُ بِالْمَحَلِّ وَإِذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّمْيِ تُرْسٌ مَنَعَ الرَّمْيُ مِنْ انْعِقَادِهِ عِلَّةً لِلْعَقْلِ لَا أَنَّهُ مَنَعَ الْقَتْلَ مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ فَكَذَا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْعِيَّاتِ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَصِيرُ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا وُجِدَ ارْتَفَعَ التَّعْلِيقُ فَصَارَ ذَلِكَ الْكَلَامُ تَنْجِيزًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنْ قِيلَ: الصَّحِيحُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ جُنَّ فَدَخَلَتْ الدَّارَ تَطْلُقُ وَلَوْ نَجَزَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَقَعْ.
قُلْنَا: إنَّمَا يُصَيِّرُ ذَلِكَ الْكَلَامَ الْمُعَلَّقَ تَنْجِيزًا عَقْدُ وُجُودِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ الْكَلَامُ كَانَ صَحِيحًا مِنْهُ وَالتَّنْجِيزُ إنَّمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْمَجْنُونِ لِأَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا فَإِذَا كَانَ هَذَا تَنْجِيزًا بِكَلَامٍ صَحِيحٍ شَرْعًا عَمِلَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّنْجِيزِ يُرَاعَى لِلْوُقُوعِ وُجُودُ الْمَحَلِّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّكَلُّمَ مِنْ الْحَالِفِ يُوجَدُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ فَيُرَاعَى أَهْلِيَّةُ التَّكَلُّمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْوُصُولُ إلَى الْمَحَلِّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيُرَاعَى وُجُودُ الْمَحَلِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَذَا فِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
فَإِنْ قِيلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ طَلَّقْت امْرَأَتِي فَأَنْتِ حُرٌّ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ حَتَّى طَلُقَتْ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلَوْ صَارَ مُطْلَقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَلَزِمَ أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدُ قُلْنَا: إنَّمَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ عُرِفَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَنَّ غَرَضَهُ مِنْ قَوْلِهِ إنْ طَلَّقْت فَكَذَا مَنْعُ نَفْسِهِ عَنْ تَطْلِيقٍ بِكَلَامٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ الْيَمِينِ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ وَالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ فَيَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا ثُمَّ قَالَ إنْ قَتَلْتُهُ فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ جُرْحِهِ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَصَارَ قَتْلًا بَعْدَ الْيَمِينِ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمَنْعُ عَنْ قَتْلٍ يُبَاشِرُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ إنْ شَاءَ فَكَذَا هَذَا قَوْلُهُ (فَبَقِيَ غَيْرَ مُضَافٍ إلَيْهِ) أَيْ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْمَحَلِّ.
أَلَا تَرَى تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا يَعْنِي السَّبَبُ مَا يَكُونُ مُفْضِيًا إلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَمُتَقَرِّرًا عِنْدَ ثُبُوتِهِ وَالسَّبَبُ الْمُعَلَّقُ أَيْ الْكَلَامُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ الَّذِي يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَيْسَ بِمُفْضٍ إلَى الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بَلْ الشَّرْطُ مَانِعٌ عَنْهُ فَكَيْفَ يُجْعَلُ سَبَبًا وَهَذَا لِأَنَّهُ جُعِلَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ لِيَنْعَقِدَ يَمِينًا إذْ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ يَمِينٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَقَصْدُهُ مِنْ هَذَا التَّصَرُّفِ تَحْقِيقُ مُوجَبِهِ وَهُوَ الْبِرُّ إلَّا أَنَّ الْبِرَّ لَا يَتَأَكَّدُ إلَّا بِضَمَانٍ يَلْزَمُهُ عِنْدَ الْهَتْكِ فَجُعِلَ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ لِيَتَحَرَّزَ عَنْ الْهَتْكِ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّصَرُّفِ تَحْقِيقَ الْبِرِّ وَفِي تَحْقِيقِهِ إعْدَامُ مُوجَبِ مَا عُلِّقَ بِالشَّرْطِ لَا وُجُودِهِ لَا يَكُونُ الْمُعَلَّقُ مُفْضِيًا إلَى وُجُودِ الْحُكْمِ بَلْ يَكُونُ مُوجِبًا عَدَمَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute