للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: ٤٩] الْآيَةُ ثُمَّ الْمُسْلِمَةُ وَالذِّمِّيَّةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ وَهُوَ أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَإِنْ أُثْبِتَ الْحُكْمُ فِي الْمُؤْمِنَاتِ وَلَا يَلْزَمُ أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ جَوَازِ تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ بِالْمَالِ وَالْمَنْذُورِ الْمَالِيِّ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ عَدَمُ جَوَازِ تَعْجِيلِ الْبَدَنِيِّ فِي الْكَفَّارَةِ أَوْ فِي النَّذْرِ حَتَّى لَوْ كَفَّرَ الْيَمِينَ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ أَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ انْزِهَاقِ الرُّوحِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَوْ نَذْرٍ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَوْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَتَى بِالْمَنْذُورِ قَبْلَ الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ فِي هَذَا كُلِّهِ بِخِلَافِ تَعْجِيلِ الْمَالِيِّ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ يَنْفَصِلُ وُجُوبُ أَدَائِهَا عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْمَالَ مَعَ الْفَصْلِ يَتَغَايَرَانِ فَجَازَ أَنْ يَتَّصِفَ الْمَالُ بِالْوُجُوبِ وَلَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا إلَى شَهْرٍ يُثْبِتُ الْوُجُوبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلَا يَدُلُّ عَدَمُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ.

فَأَمَّا الْبَدَنِيُّ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ بَيْنَ وُجُوبِهِ وَوُجُوبِ أَدَائِهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ إلَّا أَفْعَالًا مَعْلُومَةً وَكَذَا الصَّوْمُ فَوُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا يَكُونُ إلَّا وُجُوبَ الْأَدَاءِ فَعَدَمُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِيهِ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ ضَرُورَةً وَلَمَّا تَأَخَّرَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ هَاهُنَا بِالْإِجْمَاعِ انْتَفَى الْوُجُوبُ فَلَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الصَّوْمُ قَبْلَ الشَّهْرِ وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ.

وَنَحْنُ نَقُولُ: تَأْثِيرُ التَّعْلِيقِ فِي مَنْعِ السَّبَبِ لَا فِي حُكْمِهِ فَكَانَ امْتِنَاعُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ سَبَبِهِ لَا لِمَنْعِ التَّعْلِيقِ إيَّاهُ قَصْدًا وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ دَخَلَ فِي السَّبَبِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مَثَلًا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ دُونَ غَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَدْ عَلَّقَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَقَصَدَ التَّطْلِيقَ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ لَا فِي الْحَالِ فَلَمْ يَكُنْ السَّبَبُ مَوْجُودًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءً لِدُخُولِ الدَّارِ وَالْجَزَاءُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ يَتَعَلَّقُ وُجُودُهُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: إنْ تُكْرِمْنِي أُكْرِمْك كَانَ مُعَلِّقًا إكْرَامَهُ بِإِكْرَامِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ وَكَانَ إكْرَامُهُ مَعْدُومًا قَبْلَ إكْرَامِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَمَّا جَعَلَ التَّطْلِيقَ جَزَاءَ دُخُولِ الدَّارِ كَانَ التَّطْلِيقُ مَعْدُومًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا مُعْنِدَ لِقَوْلِهِمْ أَنْتِ طَالِقٌ قَدْ صَارَ مَوْجُودًا فَلَا وَجْهَ إلَى جَعْلِهِ مَعْدُومًا بِالتَّعْلِيقِ فَيُجْعَلُ التَّعَلُّقُ مَانِعًا لِحُكْمِهِ وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ كَشَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّا لَا نَجْعَلُ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ مَعْدُومًا وَلَكِنْ نَجْعَلُ التَّعْلِيقَ مَانِعًا مِنْ وُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِهِ عِلَّةً لِأَنَّ الْعِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَصِيرُ عِلَّةً قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى مَحَلِّهَا كَمَا لَا يَصِيرُ عِلَّةً قَبْلَ تَمَامِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ شَطْرَ الْبَيْعِ كَمَا لَا يَكُونُ عِلَّةً لِعَدَمِ تَمَامِ الرُّكْنِ لَا يَكُونُ بَيْعُ الْحُرِّ سَبَبًا أَيْضًا لِعَدَمِ إضَافَتِهِ إلَى الْمَحَلِّ وَكَمَا لَا يَكُونُ قَوْلُهُ أَنْتِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ قَبْلَ قَوْلُهُ طَالِقٌ فَكَذَا إذَا أُضِيفَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى مَيِّتَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَكَذَلِكَ بَعْضُ النِّصَابِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فَكَذَلِكَ النِّصَابُ لِكَمَالِهِ فِي مِلْكِ كَافِرٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا أَيْضًا.

١ -

وَلَمَّا دَخَلَ التَّعْلِيقُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَنَعَهُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ لَا يَكُونُ وَاصِلًا إلَى الْأَرْضِ وَلِأَنَّ الِاتِّصَالَ الشَّرْعِيَّ يُعْرَفُ تَأْثِيرُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ فِيهَا فَكَيْفَ يَكُونُ وَاصِلًا وَاعْتُبِرَ هَذَا بِالِاتِّصَالِ الْحِسِّيِّ فَإِنَّ فِعْلَ النَّجَّارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>