للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلٌ لِنَذْرِ الْمُعَلَّقِ وَتَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ كَالْكَفَّارَةِ بِالصَّوْمِ وَفَرْقُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّ اللَّهِ فِي الْمَالِيِّ فِعْلُ الْأَدَاءِ لَا عَيْنُ الْمَالِ إنَّمَا يَقْصِدُ عَيْنَ الْمَالِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَمَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِعْلٌ لَا مَالٌ وَإِنَّمَا الْمَالُ آلَتُهُ

ــ

[كشف الأسرار]

الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَمِينٌ وَمَحَلُّ الِالْتِزَامِ بِالْيَمِينِ الذِّمَّةُ فَأَمَّا الْمِلْكُ فِي الْمَحَلِّ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِإِيجَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ بِإِيجَابٍ وَلَكِنَّهُ بِغَرَضِ أَنْ يَصِيرَ إيجَابًا فَإِنْ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ حِينَ يَصِيرُ إيجَابًا بِوُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ صَحَّحْنَا التَّعْلِيقَ بِاعْتِبَارِهِ وَإِنْ لَمْ نَتَيَقَّنْ بِذَلِكَ بِأَنْ كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ شَرَطْنَا الْمِلْكَ فِي الْحَالِ لِيَصِيرَ كَلَامُهُ إيجَابًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَهُوَ أَنَّ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَلَكِنَّ هَذَا الظَّاهِرَ دُونَ الْمِلْكِ الَّذِي نَتَيَقَّنُ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَصِحَّةُ التَّعْلِيقِ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الْمِلْكِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمِلْكِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنْ قِيلَ جَمِيعُ مَا ذَكَرْتُمْ يَبْطُلُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوهَا إلَّا بِزِيَادَةِ صَدَاقٍ فَقَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» فَهَذَا كَلَامٌ مُفَسَّرٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ قُلْنَا: إنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الزُّهْرِيِّ وَأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ أَوَّلَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ فَيَقُولُ: هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا طَلَاقَ فَرَدُّهُ الْحَدِيثَ إلَى الْمُرْسَلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى صِحَّةَ الْمُعَلَّقِ بِالنِّكَاحِ وَمِثْلُهُ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَكْحُولٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ هَؤُلَاءِ الثِّقَاتُ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ لَا يُحْتَمَلُ التَّأْوِيلُ أَوْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ كَافَّتَهُمْ أَوْ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِمْ مَعَ ظُهُورِ الْفَتْوَى مِنْهُمْ بِخِلَافِهِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَانِعٌ لِلْإِيجَابِ عَنْ الِانْعِقَادِ لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَمَّا لَمْ يَصِلْ إلَى ذِمَّةٍ قَابِلَةٍ لِلْحُكْمِ وَالشَّرْطُ مَنْعُ وُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا كَبَعْضِ النَّذْرِ وَالْأَدَاءُ قَبْلَ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ.

وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ كَالْكَفَّارَةِ بِالصَّوْمِ لِأَنَّ الْيَمِينَ سَبَبُ الْوُجُوبِ بِشَرْطِ الْحِنْثِ وَالتَّقْدِيرُ إنْ حَنِثْت فَعَلَيَّ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ بِتِلْكَ الْيَمِينِ فَمَنَعَ الْيَمِينَ عَنْ كَوْنِهَا سَبَبًا فِي الْحَالِ وَلَكِنَّهَا بِعَرَضِيَّةٍ أَنْ تَصِيرَ سَبَبًا فَصَحَّتْ إضَافَةُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهَا فَقَبْلَ أَنْ تَصِيرَ سَبَبًا بِالْحِنْثِ لَا يُتَصَوَّرُ الْأَدَاءُ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ قَبْلَ الْيَمِينِ وَكَمَا لَا يُتَصَوَّرُ تَعْجِيلُ الصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَفَرْقُهُ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ بَاطِلٌ فَإِنَّ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ وُجُوبَ الْأَدَاءِ قَدْ يَنْفَصِلُ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ فِي الْبَدَنِيِّ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا صَامَ فِي رَمَضَانَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِحُصُولِ أَصْلِ الْوُجُوبِ بِالسَّبَبِ وَهَذَا لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا يَعْنِي فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ فِعْلٌ هُوَ عِبَادَةٌ وَإِنَّمَا الْمَالُ وَمَنَافِعُ الْبَدَنِ آلَتَانِ يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِهِمَا فَكَمَا أَنَّ فِي الْبَدَنِيِّ مَعَ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ السَّبَبُ تَامًّا فَكَذَلِكَ فِي الْمَالِيِّ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ لِلْعَبْدِ مَالٌ لَا فِعْلٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَبْدُ أَوْ يَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُسْرَانُ بِهِ وَذَلِكَ بِالْمَالِ دُونَ الْفِعْلِ وَلِهَذَا إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَأَخَذَهُ تَمَّ الِاسْتِيفَاءُ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْفِعْلُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَفِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وُجُوبُ الْفِعْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>