للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ زُفَرُ: وَلَمَّا بَطَلَ الْإِيجَابُ لَمْ يُشْتَرَطْ قِيَامُ الْمَحَلِّ لِبَقَائِهِ فَإِذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَبْطُلْ الْيَمِينُ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَإِنَّمَا شَرْطُ قِيَامِ الْمِلْكِ لِأَنَّ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ مُتَرَدِّدٌ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بِالْحَالِ فَإِذَا وَقَعَ التَّرْجِيحُ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ صَارَ زَوَالُ الْحِلِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُنَافِي وُجُودَهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا مَحَالَةَ وَزَوَالُ الْمِلْكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالنِّكَاحِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الْحِلُّ لِلْحَالِّ مَعْدُومًا فَلَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ يَتَّصِلُ بِالْمَحَلِّ لَمَا صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ فِي حَقِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِنِكَاحِهَا

ــ

[كشف الأسرار]

بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالْمُسْتَحَقُّ هُوَ مَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ صَيْرُورَةُ الثَّوْبِ مَخِيطًا أَوْ مَقْصُورًا.

فَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَوَاجِبَةٌ بِطَرِيقِ الْعِبَادَةِ وَنَفْسُ الْمَالِ لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ إنَّمَا الْعِبَادَةُ فِعْلٌ يُبَاشِرُهُ الْعَبْدُ بِخِلَافِ هَوَى النَّفْسِ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْمَالُ وَالْبَدَنُ سَوَاءٌ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْفِعْلُ هُوَ الْمَطْلُوبُ لَمْ يَتَأَدَّبَا بِالنَّائِبِ كَالصَّلَاةِ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَقْصُودُ وَهُوَ حُصُولُ الْمَشَقَّةِ بِقَطْعِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَالِ يَحْصُلُ بِالنَّائِبِ وَالْإِنَابَةُ فِعْلٌ مِنْهُ فَاكْتُفِيَ بِهِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إتْعَابُ النَّفْسِ بِالْقِيَامِ لِلْخِدْمَةِ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَأَدَّ بِفِعْلِهِ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلُ وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ جَوَّزْنَا نِكَاحَ الْأَمَةِ حَالَ طَوْلِ الْحُرَّةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاحَ الْأَمَةِ حَالَ عَدَمِ الطَّوْلِ بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: ٢٥] الْآيَةُ وَلَمْ يُحَرِّمْ حَالَ وُجُودِهِ بَلْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ نَفْيَ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودٍ فَيُجْعَلُ الْحِلُّ ثَابِتًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِالْآيَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْحِلِّ وَهَكَذَا نَقُولُ فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلَ عَبْدِي الدَّارَ فَأُعْتِقُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ نَفْيَ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَالَ لَهُ أَوَّلًا: أَعْتِقْ عَبْدِي ثُمَّ قَالَ: أَعْتِقْهُ إنْ دَخَلَ الدَّارَ جَازَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَلَا يُجْعَلُ الثَّانِي نَهْيًا عَنْ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ عَزَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَقِيَ لَهُ الْآخَرُ فَإِنْ قِيلَ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ يَثْبُتُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا هَاهُنَا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْوَاحِدُ ثَابِتًا فِي الْحَالِ وَمُتَعَلِّقًا بِشَرْطٍ مُنْتَظَرٍ.

قُلْنَا: حِلُّ الْوَطْءِ لَيْسَ بِثَابِتٍ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَكِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطِ النِّكَاحِ فِي الْآيَاتِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا هَذَا الشَّرْطُ الزَّائِدُ وَمُتَعَلِّقٌ بِهِ وَبِهَذَا الشَّرْطِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مَا ادَّعَى مِنْ التَّضَادِّ فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ فَأَمَّا فِيمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ فَلَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطٍ وَذَلِكَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطٍ آخَرَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ

١ -

أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا جَاءَ الْخَمِيسُ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ: إذَا جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ الثَّانِي صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ مَجِيءُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ حَتَّى لَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَجَاءَ يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى مِلْكِهِ فَجَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يُعْتِقُ بِاعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ الثَّانِي فَإِنْ قِيلَ مَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ كَمَالَ الشَّرْطِ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ وَهُوَ بَعْضُ الشَّرْطِ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ أَيْضًا وَمَا قُلْتُمْ يُؤَدِّي إلَى هَذَا فَإِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ كَمَالُ الشَّرْطِ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ وَهُوَ بَعْضُ الشَّرْطِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إذَا قُلْتُمْ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً عِنْدَ وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ قُلْنَا: إنَّمَا لَا يَجُوزُ هَذَا بِنَصٍّ وَاحِدٍ فَأَمَّا بِنَصَّيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ أَكَلْت ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ أَكَلْت وَشَرِبْت صَحَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَكُونُ الْأَكْلُ كَمَالَ الشَّرْطِ فِي التَّعْلِيقِ الثَّانِي حَتَّى بَاعَهُ فَأَكَلَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَشَرِبَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ لِتَمَامِ الشَّرْطِ بِالتَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ وَبَعْضِ الشَّرْطِ فِي التَّعْلِيقِ الثَّانِي وَهُوَ مِلْكُهُ قَوْلُهُ.

(قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) إلَى آخِرِهِ يَعْنِي بَنَى زُفَرُ مَذْهَبَهُ فِي أَنَّ تَنْجِيزَ الثَّلَاثِ لَا يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ سَوَاءٌ كَانَ الثَّلَاثُ مُعَلَّقًا أَوْ دُونَهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَقَالَ: لَمَّا بَطَلَ الْإِيجَابُ أَيْ بِالتَّعْلِيقِ يَعْنِي لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا فِي الْحَالِ لِعَدَمِ وُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ لَمْ يُشْتَرَطْ قِيَامُ الْمَحَلِّ أَيْ بَقَاؤُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>