للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قَالَ: أَنَا أُعَدِّي الْقَيْدَ الزَّائِدَ ثُمَّ النَّفْيُ يَثْبُتُ بِهِ قِيلَ لَهُ: إنَّ التَّقْيِيدَ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّحْرِيمِ بِالْكَافِرَةِ لِمَا قُلْنَا لَكِنْ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ وَقَدْ شُرِعَ فِي الْمُطْلَقِ لَمَّا أُطْلِقَ

ــ

[كشف الأسرار]

لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ وَذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ وُجُوهٍ لِأَنَّ الْحَوَادِثَ كُلَّهَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَلَا قِيَاسَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يُوجِبُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَلِأَنَّ الْحُكْمَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى إثْبَاتِ قَدْرِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْوَصْفَ زِيَادَةٌ مَعْنًى كَالْقَدْرِ وَكَمَا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ زِيَادَةِ الْقَدْرِ بِالْقِيَاسِ كَذَلِكَ الْوَصْفُ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَصَارَتْ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا عَلَى هَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَلِكَ الْكَفَّارَاتُ مِقْدَارًا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَاتِ وَإِنْ اتَّفَقَتْ اسْمًا فَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الْجِنْسِ حُكْمًا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ مِنْ يَمِينٍ وَظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَإِفْطَارٍ وَالْحُكْمُ يَخْتَلِفُ جِنْسُهُ بِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ وَإِذَا اخْتَلَفَ لَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ بِهَا سَوَاءً فَلَمْ يَجُزْ رَدُّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ كَمَا لَمْ يُرَدَّ إلَى الْكَفَّارَةِ النَّذْرُ.

فَالْمَقَايِيسُ بَاطِلَةٌ بِمَا ذَكَرْنَا وَالِاسْتِدْلَالُ بَاطِلٌ بِهَذَا الْوَجْهِ الْخَاصِّ وَهُوَ أَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ حُكْمًا وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ الِاخْتِلَافِ فِي الْإِطْعَامِ وَقَدْرُ الصِّيَامِ عَلَى أَنَّ بَابَ الْقَتْلِ مُغَلِّظٌ قَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ فِي أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ وَفِي وُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَهَذَا مُخَفَّفٌ وَلَمْ يَجُزْ قِيَاسُ مَا خُفِّفَ فِيهِ عَلَى مَا غُلِّظَ لِإِثْبَاتِ التَّغْلِيظِ وَلَوْ احْتَمَلَ الْقِيَاسُ لَكَانَ الْيَدُ لَنَا لِأَنَّ التَّحْرِيرَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَخَفَّ مِنْ الْقَتْلِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِهِ وَكَانَ أَخْذُ حُكْمِ الْيَمِينِ مِنْ حُكْمِ الْيَمِينِ أَوْلَى مِنْ أَخْذِهِ مِنْ الْقَتْلِ وَقَالَ: هَذَا إنْ سَلَّمْنَا لَهُمْ أَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَعِنْدَنَا لَا يُحْمَلُ بَلْ كُلٌّ يَعْمَلُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا حُكْمَيْنِ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ أَمَّا الْعَدَمُ فَلَيْسَ بِشَرْعٍ يَعْنِي لَوْ قَالَ: أَنَا لَا أُعَدِّي الْعَدَمَ الَّذِي زَعَمْت أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ بَلْ أُعَدِّي الْقَيْدَ الزَّائِدَ عَلَى الْمُطْلَقِ وَهُوَ قَيْدُ الْإِيمَانِ ثُمَّ النَّفْيُ يَثْبُتُ بِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَمَا ثَبَتَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ يُقَالُ لَهُ إنْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ هَذِهِ التَّعَدِّيَةِ وَثُبُوتِ الْقَيْدِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ تَحْرِيرِ الْكَافِرَةِ هَاهُنَا أَيْضًا لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَعْنِي كَفَّارَةَ الْقَتْلِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ مَنْعِ الْقَيْدِ عَنْ الْجَوَازِ لِمَا قُلْنَا: إنَّ الْمُقَيَّدَ يُوجِبُ الْحُكْمَ ابْتِدَاءً غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلنَّفْيِ لَكِنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ لِعَدَمِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَاهُنَا الشَّرْعِيَّةُ ثَابِتَةٌ بِدَلَالَةِ وُرُودِ الْمُطْلَقِ فَكَانَ الْجَوَازُ ثَابِتًا فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لَيْسَ إلَّا نَصٌّ مُقَيَّدٌ فَيَثْبُتُ مُوجِبُهُ وَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْعَدَمِ وَهَاهُنَا بَعْدَ التَّعْدِيَةِ يَجْتَمِعُ نَصَّانِ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ تَقْدِيرًا لِأَنَّ تَعْدِيَةَ الْقَيْدِ إنْ سُلِّمَتْ لَا تَصْلُحُ لِإِبْطَالِ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يَصْلُحُ مُبْطِلًا لِلنَّصِّ بِوَجْهٍ فَصَارَ بَعْدَ التَّعْدِيَةِ كَأَنَّهُ اجْتَمَعَ مِنْهُ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ فَيَثْبُتُ مُوجِبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَجُوزُ تَحْرِيرُ الْكَافِرَةِ بِالنَّصِّ الْمُطْلَقِ وَتَحْرِيرُ الْمُؤْمِنَةِ بِهِ وَبِالنَّصِّ الْمُقَيَّدِ أَيْضًا.

وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ اجْتِمَاعُ الْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْحَمْلِ لَا مَحَالَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَنُبَيِّنُ بَعْدُ فَكَانَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ وَالتَّعْدِيَةَ فَاسِدَةٌ لِلْمُفَارَقَةِ وَلِلْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَسْرَارِ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ تَسَامَحَ فِيهِ لِأَنَّ التَّعْدِيَةَ لَمَّا فَسَدَتْ لَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ظَاهِرًا عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَتَسَاهَلَ فِي جَوَابِهِ فَإِنْ قِيلَ لَعَلَّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّيْخِ عَدَمَ جَوَازِ الْحَمْلِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْضًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ هَذَا الْجَوَابُ.

وَقَوْلُهُ أَبَدًا قُلْنَا مَنَعَ مِنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ قَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>