للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا نُسَلِّمُ لَهُ أَنَّ الْقَيْدَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ {مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: ١٥] مُعَرَّفٌ بِالْإِضَافَةِ فَلَا يَكُونُ الْقَيْدُ مُعَرَّفًا لِيُجْعَلَ شَرْطًا وَلِأَنَّا قُلْنَا: إنَّ الشَّرْطَ لَا يُوجِبُ نَفْيًا بَلْ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَأَمَّا الْعَدَمُ فَلَيْسَ بِشَرْعٍ وَلِأَنَّا إنْ سَلَّمْنَا لَهُ النَّفْيَ ثَابِتًا بِهَذَا الْقَيْدِ لَمْ يَسْتَقِمْ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا صَحَّتْ الْمُمَاثَلَةُ وَقَدْ جَاءَتْ الْمُفَارَقَةُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ الْقَتْلُ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ الْكَبَائِرِ وَفِي الْحُكْمِ صُورَةٌ وَمَعْنًى حَتَّى وَجَبَ فِي الْيَمِينِ التَّخْيِيرُ وَدَخَلَ الطَّعَامُ فِي الْإِظْهَارِ دُونَ الْقَتْلِ فَبَطَل الِاسْتِدْلَال

ــ

[كشف الأسرار]

الْبَيَانِ وَارْتِفَاعِ الِاشْتِبَاهِ فَقَالَ: الْإِطْلَاقُ مَعْنًى مَعْلُومٌ وَلَهُ حُكْمٌ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ الْمُقَيَّدُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِ بِالِاتِّفَاقِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُتْرَكُ الْإِطْلَاقُ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ إلَى غَيْرِ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْمَفْهُومِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَرْكُ التَّقْيِيدِ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الْإِطْلَاقِ بِالِاتِّفَاقِ.

وَقَوْلُهُ وَلَا نُسَلِّمُ لَهُ أَنَّ الْقَيْدَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ الْقَيْدُ جَارٍ مَجْرَى الشَّرْطِ فَيُوجِبُ النَّفْيَ عِنْدَ الْعَدَمِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي إيجَابِ النَّفْيِ عِنْدَ الْعَدَمِ هُوَ الشَّرْطُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ إنَّهُ أَلْحَقَ الْوَصْفَ بِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَجَعَلَهُ نَافِيًا لِلْحُكْمِ عِنْدَ الْعَدَمِ لِكَوْنِهِ بِمَعْنَى الشَّرْطِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنَعَ أَوَّلًا كَوْنَ الْقَيْدِ بِمَعْنَى الشَّرْطِ مُطْلَقًا فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ لَهُ أَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَيْدَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ فَإِنَّ الْقَيْدَ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] لَيْسَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّ النِّسَاءَ مُعَرَّفَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَيْنَا فَلَا يَكُونُ الْقَيْدُ مُعَرَّفًا لِيُجْعَلَ شَرْطًا إذْ الْقَيْدُ إنَّمَا جُعِلَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ إذَا كَانَ مَا قُيِّدَ بِهِ مُنْكَرًا لَفْظًا وَمَعْنًى كَمَا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ لِحُصُولِ التَّعْرِيفِ بِهِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ.

فَأَمَّا إذَا كَانَ مُعَرَّفًا كَقَوْلِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَلَيْسَ الْقَيْدُ فِيهِ بِمَعْنَى الشَّرْطِ بَلْ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: ٤٤] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْقَيْدَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ مِثْلُ قَيْدِ الْإِيمَانِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَلِأَنَّا قُلْنَا يَعْنِي وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ نَفْيًا أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا بَلْ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً يَعْنِي الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ يَثْبُتُ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا عَدَمُ شَيْءٍ يَتَحَقَّقُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ شَيْءٍ آخَرَ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَيْسَ بِشَرْعٍ لِتَحَقُّقِهِ قَبْلَ الشَّرْعِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَدَمُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ يُمْكِنْ تَعْدِيَتِهِ إلَى الْغَيْرِ وَلِأَنَّا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَأَنَّهُ يُوجِبُ النَّفْيَ فِي مَحَلِّهِ وَأَنَّهُ يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهُ لَا نُسَلِّمُ لَهُ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّفْيُ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ اسْتِدْلَالًا بِهِ إذَا ثَبَتَ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بَلْ الْمُفَارَقَةُ تَثْبُتُ فِي السَّبَبِ وَالْحُكْمِ صُورَةً وَمَعْنًى أَمَّا الْمُفَارَقَةُ فِي السَّبَبِ صُورَةً فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ وَالْيَمِينَ غَيْرُ الْقَتْلِ صُورَةً.

وَكَذَا مَعْنًى لِأَنَّ الْقَتْلَ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ كَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَلَا يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَتْلَ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ الْقَتْلُ خَطَأً أَعْظَمُ جِنَايَةً مِنْ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ لِأَنَّ عِنْدَ الْخَصْمِ الْكَفَّارَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ بِالْعَمْدِ كَمَا تَتَعَلَّقُ بِالْخَطَأِ وَبِالْيَمِينِ الْغَمُوسِ كَمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَعْقُودَةِ وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ أَعْظَمُ مِنْ الْغَمُوسِ وَلَمَّا ثَبَتَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا تَثْبُتُ بَيْنَ الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَالْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ أَيْضًا.

وَأَمَّا الْمُفَارَقَةُ فِي الْحُكْمِ صُورَةً فَلِأَنَّ حُكْمَ الْقَتْلِ وُجُوبُ التَّحْرِيرِ وَالصَّوْمُ عَلَى التَّرْتِيبِ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِمَا وَحُكْمُ الظِّهَارِ وُجُوبُ التَّحْرِيرِ وَالصَّوْمُ وَالْإِطْعَامُ وَهَذَا مُفَارِقٌ لِلْأَوَّلِ وَكَذَا حُكْمُ الْيَمِينِ وُجُوبُ الْبِرِّ ثُمَّ الْكَفَّارَةُ بِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ مُفَارِقٌ لِحُكْمِ الْقَتْلِ أَيْضًا وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ فِي هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ ضَرْبَ تَيْسِيرٍ فَإِنَّ لِلطَّعَامِ مَدْخَلًا فِي الظِّهَارِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَالتَّخْيِيرُ ثَابِتٌ فِي الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي الْيَمِينِ مَعَ النَّقْلِ إلَى صَوْمِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَيْسَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّيْسِيرِ فِي الْقَتْلِ وَإِذَا ثَبَتَتْ الْمُفَارَقَةُ بَيْنَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>