الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَالْوِتْرِ
وَالسُّنَّةُ مَعْنَاهَا الطَّرِيقُ وَالسَّنَنُ الطَّرِيقُ وَيُقَالُ سَنَّ الْمَاءَ إذَا صَبَّهُ، وَهُوَ مَعْرُوفُ الِاشْتِقَاقِ، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِلطَّرِيقِ الْمَسْلُوكِ فِي الدِّينِ.
وَالنَّفَلُ اسْمٌ لِلزِّيَادَةِ فِي اللُّغَةِ حَتَّى سُمِّيَتْ الْغَنِيمَةُ نَفْلًا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بَلْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا شُرِعَ لَهُ الْجِهَادُ وَسُمِّيَ وَلَدُ الْوَلَدِ نَافِلَةً لِذَلِكَ
ــ
[كشف الأسرار]
يُتَحَمَّلُ وَيُرْفَعُ بِاخْتِيَارٍ، وَهُوَ الْفَرْضُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ ثَابِتًا قَطْعًا يُتَحَمَّلُ اخْتِيَارٌ وَشَرْحُ صَدْرٍ. قَالَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ مَوْلَانَا حَمِيدُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَنَظِيرُهُ أَنَّ أَمِيرًا أَمَرَ وَاحِدًا مِنْ غِلْمَانِهِ بِحَمْلِ شَيْءٍ إلَى مَوْضِعٍ فَتَحَمَّلَهُ فَلَمَّا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ، وَأَخَذَ فِي الطَّرِيقِ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ أَنَّ الْأَمِيرَ قَدْ أَمَرَ بِحَمْلِ هَذَا الشَّيْءِ الْآخَرِ أَيْضًا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ لَهُ بِإِخْبَارِهِ فَتَحَمَّلَهُ أَيْضًا كَانَ الْمَأْمُورُ فِي تَحَمُّلِ الْأَوَّلِ مُخْتَارًا طَائِعًا، وَفِي تَحَمُّلِ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ كَأَنَّهُ سَقَطَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَاخْتِيَارِهِ.
قَوْلُهُ (وَالسُّنَّةُ) كَذَا السُّنَّةُ لُغَةً الطَّرِيقَةُ مَرْضِيَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَرْضِيَّةٍ وَسَنَنُ الطَّرِيقِ مُعْظَمُهُ وَوَسْطَتُهُ وَالسَّنُّ الصَّبُّ بِرِفْقٍ مِنْ بَابِ طَلَبَ فَإِنْ أُخِذَتْ السُّنَّةُ مِنْهُ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَارَّ يُنْصِتُ وَيَجْرِي فِيهَا جَرَيَانَ الْمَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَسَالَتْ بِأَعْنَاقِ الْمَطِيِّ الْأَبَاطِحُ
وَهُوَ أَيْ لَفْظُ السُّنَّةِ فِي الشَّرِيعَةِ اسْمٌ لِلطَّرِيقِ الْمَسْلُوكِ فِي الدِّينِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ افْتِرَاضٍ، وَلَا وُجُوبٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ سَوَاءٌ سَلَكَهُ الرَّسُولُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَمٌ فِي الدِّينِ. وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَسْلُوكَةُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ اللَّفْظَ السُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَ يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ أَوْ إلَيْهَا، وَإِلَى سُنَّةِ الصَّحَابِيِّ عَلَى مَا تَبَيَّنَ بَعْدُ بَلْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا شُرِعَ لَهُ الْجِهَادُ، وَهُوَ إعْلَاءُ دِينِ اللَّهِ، وَكَبْتُ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَتَحْصِيلُ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ.
وَفِي الْمُغْرِبِ النَّفَلُ مَا يُنَفَّلُهُ الْغَازِي أَيْ يُعْطَاهُ زَائِدًا عَلَى سَهْمِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ أَوْ الْأَمِيرُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَوْ قَالَ لِلسَّرِيَّةِ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ أَوْ رُبْعُهُ أَوْ نِصْفُهُ، وَلَا يُخَمَّسُ وَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ وَسُمِّيَ وَلَدُ الْوَلَدِ نَافِلَةَ ذَلِكَ أَيْ لِكَوْنِهِ زَائِدًا عَلَى مَقْصُودِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْوَلَدِ مِنْ صُلْبِهِ وَالْحَافِدُ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ فَكَذَا النَّافِلَةُ اسْمٌ لِمَا شُرِعَ زِيَادَةً عَلَى الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي حُدُودِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَقِيلَ الْفَرْضُ هُوَ مَا يُعَاقَبُ الْمُكَلَّفُ عَلَى تَرْكِهِ وَيُثَابُ عَلَى تَحْصِيلِهِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّهَا تَقَعُ فَرْضًا، وَلَوْ تَرَكَهَا لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ آخِرِ الْوَقْتِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَبِصَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فَرْضًا، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ. وَبِأَنَّ تَارِكَ الْفَرْضِ قَدْ يُعْفَى عَنْهُ وَلَا يُعَاقَبُ، وَلَا يَخْرُجُ الْفَرْضُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ فَرْضًا. وَقِيلَ هُوَ مَا يَخَافُ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى تَرْكِهِ. وَقِيلَ هُوَ مَا فِيهِ وَعِيدٌ لِتَارِكِهِ. وَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَتَرْكِ صَوْمِ السَّفَرِ أَيْضًا. وَالصَّحِيحُ مَا قِيلَ الْفَرْضُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَاسْتَحْقَقَ الذَّمَّ عَلَى تَرْكِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. فَقَوْلُهُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ يَتَنَاوَلُ الْمَنْدُوبَ وَالْمُبَاحَ إذْ قَدْ يَثْبُتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: ٧٧] {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: ١٨٧] . وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَاسْتَحَقَّ الذَّمَّ عَلَى تَرْكِهِ عَنْهُمَا. وَبِقَوْلِهِ مُطْلَقًا عَمَّنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى عَزْمِ الْأَدَاءِ فِي آخِرِهِ وَعَنْ تَرْكِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ إلَى خَلَفِهِ، وَهُوَ الْقَضَاءُ وَأَمْثَالُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَرْكٍ مُطْلَقًا فَلَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ بِهِ. وَبِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عَنْ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا تَرَكَا الصَّوْمَ، وَمَاتَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَالصِّحَّةِ فَإِنَّهُمَا لَا يَسْتَحِقَّانِ الذَّمَّ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمَا بِعُذْرٍ. وَإِذَا بَدَّلَ لَفْظَ الْقَطْعِيِّ بِالظَّنِّيِّ فَهُوَ حَدُّ الْوَاجِبِ. وَحَدُّ السُّنَّةِ هُوَ الطَّرِيقَةُ الْمَسْلُوكَةُ فِي الدِّينِ مِنْ غَيْرِ افْتِرَاضٍ، وَلَا وُجُوبٍ.
وَأَمَّا حَدُّ النَّفْلِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَنْدُوبِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَالتَّطَوُّعِ