للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ إلَى الْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَاجِبٌ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَإِذَا صَلَّى فِي الطَّرِيقِ أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَمَلًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ إنَّمَا وَجَبَ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ وَقَدْ انْتَهَى وَقْتُ الْعِشَاءِ فَانْتَهَى الْعَمَلُ فَلَا يَبْقَى الْفَسَادُ مِنْ بَعْدُ إلَّا بِالْعِلْمِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُهُ وَلَا يُعَارِضُ حُكْمَ الْكِتَابِ فَلَا يُفْسِدُ الْعِشَاءَ

ــ

[كشف الأسرار]

الْمُتَوَاتِرَةِ فِي إثْبَاتِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا فَعَلَهُ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ حَتَّى كَانَ الثَّابِتُ بِهِ مِثْلَ الثَّابِتِ بِالْكِتَابِ فِي الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمَا فَقَدْ أَخْطَأَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ أَحْكَامِ الْخُصُوصِ.

وَمَا ذَكَرُوا أَنَّ ثُبُوتَ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدَةِ كَافٍ لِإِثْبَاتِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا لَا يُغْنِيهِمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ الثَّابِتِ بِهِمَا لِتَفَاوُتِ الدَّلِيلَيْنِ فِي ذَاتَيْهِمَا ضَعْفًا وَقُوَّةً وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا حَيْثُ رَاعَيْنَا حَدَّ الْكِتَابِ الثَّابِتِ بِالْيَقِينِ بِأَنْ لَمْ يُلْحَقْ خَبَرُ الْوَاحِدِ بِهِ زِيَادَةً عَلَيْهِ وَرَاعَيْنَا حَدَّ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِأَنْ أَوْجَبْنَا الْعَمَلَ بِهِ. وَكَذَا السَّعْيُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالْجَرِّ يَعْنِي السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَاجِبٌ عِنْدَنَا، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ رَأْسًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَيَتِمُّ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ رُكْنٌ، وَلَا يَتِمُّ حَجٌّ، وَلَا عُمْرَةٌ إلَّا بِهِ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ. إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا» . وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا أَتَمَّ اللَّهُ لِامْرِئٍ حَجَّةً، وَلَا عُمْرَةً لَا يَطُوفُ لَهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» . إلَّا أَنَّا تَمَسَّكْنَا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] .، وَمِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ يُوجِبُ الْإِبَاحَةَ لَا الْإِيجَابَ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا ظَاهِرَهُ فِي حُكْمِ الْإِيجَابِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعَمِلْنَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي إثْبَاتِ الْإِيجَابِ دُونَ الرُّكْنِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

وَإِنْ قَرَأْت وَالْعُمْرَةُ بِالرَّفْعِ فَمَعْنَاهُ، وَكَذَا الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ، وَلَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ فَرِيضَةٌ مِثْلُ الْحَجِّ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ كَفَرِيضَةِ الْحَجِّ» . وَعِنْدَنَا لَمَّا ضَعُفَ الدَّلِيلُ عَنْ إثْبَاتِ الْفَرْضِيَّةِ لِكَوْنِهِ خَبَرًا لِوَاحِدٍ ثَبَتَ بِهِ الْوُجُوبُ. وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَيْ الْمَذْكُورُ مِثْلُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَقِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَمَّا ثَبَتَتْ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ كَانَتْ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لَا مِنْ الْأَرْكَانِ.

وَلَا يَلْزَمُ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِاتِّفَاقِ الْآثَارِ «إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا سَلَّمَ إلَّا بَعْدَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ» كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.؛ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُوجِبَ لَهَا الْتَحَقَ بَيَانًا بِمُجْمَلِ الْكِتَابِ عَلَى مَا عُرِفَ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ) أَيْ مِثْلُ وُجُوبِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ إلَى الْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ مِنْ عَرَفَاتٍ وَاجِبٌ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّرِيقِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فَقَالَ الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ الصَّلَاةُ أَمَامَك» . وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ إمَّا الْوَقْتُ أَوْ الْمَكَانُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِعْلُ الْمُصَلِّي، وَفِعْلُهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَمَامَهُ فَثَبَتَ أَنَّ التَّأْخِيرَ وَاجِبٌ.

فَإِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ بِعَرَفَاتٍ أَوْ فِي الطَّرِيقِ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ أَوْ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَكَانَ مُسِيئًا؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ إلَّا أَنَّ التَّأْخِيرَ سُنَّةٌ فَيَكُونُ مُسِيئًا بِتَرْكِهِ. وَلَهُمَا أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَقْتُ الْعِشَاءِ، وَمَكَانُ الْأَدَاءِ مُزْدَلِفَةُ بِالْحَدِيثِ فَإِذَا أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا أَوْ فِي غَيْرِ مَكَانِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عَمَلًا بِالسُّنَّةِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إذَا أُدِّيَتْ قَبْلَ وَقْتِهَا، وَكَالْجُمُعَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ إذَا أُدِّيَتَا فِي غَيْرِ الْمِصْرِ أَوْ فِنَائِهِ، وَكَالظُّهْرِ الْمُؤَدَّى فِي الْمَنْزِلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَيْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>