للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ التَّرْتِيبُ فِي الصَّلَوَاتِ وَاجِبٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ فَصَارَ مُعَارَضًا بِحُكْمِ الْكِتَابِ بِتَغَيُّرِ الْوَقْتِيَّةِ سَقَطَ الْعَمَلُ بِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

إنَّمَا وَجَبَتْ لِيَحْصُلَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ كَمَا يُوجِبُهُ الْحَدِيثُ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَانْتَهَى وَقْتُ الْجَمْعِ، وَهُوَ وَقْتُ الْعِشَاءِ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَوْجَبْنَاهَا بِالْخَبَرِ فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَحَكَمْنَا بِفَسَادِ مَا أَدَّى مُطْلَقًا وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ. وَلَا يُعَارِضُ أَيْ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُقْتَضَى الْكِتَابِ، وَهُوَ جَوَازُ الْمَغْرِبِ الْمُؤَدَّاةِ فَلَا يَفْسُدُ الْعِشَاءُ أَيْ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْعِشَاءَ الْأُولَى، وَهِيَ الْمَغْرِبُ الْمُؤَدَّاةُ.

أَوْ بِضَمِّهَا يَعْنِي لَا يُفْسِدُ تَذَكُّرُ الصَّلَاةِ الَّتِي وَجَبَتْ إعَادَتُهَا الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَائِتَةٍ بِيَقِينِ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ التَّرْتِيبُ فِي الصَّلَوَاتِ) .

أَيْ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَاجِبٌ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» . وَمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا، وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ لِيُصَلِّ الَّتِي ذَكَرَهَا ثُمَّ لِيُصَلِّ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ» . وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ مَا لَمْ يُعَارِضْ الْكِتَابَ وَالْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ فَعِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ لَا مُعَارَضَةَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: ١٠٣] . يُوجِبُ الْأَدَاءَ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَا يَفُوتُهُ عَنْهُ، وَلَا يُوجِبُ الْأَدَاءَ فِي وَقْتِ التَّذَكُّرِ لَا مَحَالَةَ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ يُوجِبُ تَقْدِيمَ الْفَائِتَةِ، وَأَدَائِهَا فِي وَقْتِ التَّذَكُّرِ، وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ. فَأَمَّا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ تَحَقَّقَ التَّعَارُضُ لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ لِلْوَقْتِيَّةِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ وَاقْتِضَاءُ خَبَرِ الْوَاحِدِ تَقْدِيمَ الْفَائِتَةِ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَفْوِيتِهَا عَنْ الْوَقْتِ وَعَدَمِ جَوَازِهَا قَبْلَ الْفَائِتَةِ فَوَجَبَ تَرْجِيحُ الْكِتَابِ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فَلِذَلِكَ سَقَطَ الْعَمَلُ بِهِ.

وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كَثْرَةِ الْفَوَائِتِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى ضِيقِ الْوَقْتِ لِتَأْدِيَةِ رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ فِيهَا إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ أَيْضًا. فَإِنْ قِيلَ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ عِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ إلَّا بَعْدَ رَفْعِ مُوجِبِ الْكِتَابِ أَيْضًا فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الْأَدَاءَ فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ أَوْ الْخُرُوجَ عَنْ الْعُهْدَةِ إذَا تَحَقَّقَ الْأَدَاءُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ يَنْفِي فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إبْطَالًا لَا لِمُوجِبِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا قُلْتُمْ فِي خَبَرِ التَّعْيِينِ وَالتَّعْدِيلِ وَاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ.

قُلْنَا هَذَا لَا يَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْفَسَادِ الْمَوْقُوفِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ صَلَاةً ثُمَّ صَلَّى صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً مَعَ تَذَكُّرِهَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ الْفَائِتَةِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْمُؤَدَّيَاتِ بَعْدَهَا لَمْ يَكُنْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ لِيَجِبَ قَضَاؤُهَا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا كَانَ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ عَمَلًا عِنْدَ كَثْرَةِ الصَّلَوَاتِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاءُ الْمَتْرُوكَةِ، وَالْقَوْلُ بِالْوَقْفِ لَا يُوجِبُ رَفْعَ الْجَوَازِ كَيْفَ وَمُخْتَارُ الشَّيْخِ أَنَّ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِ الْوَقْتِ تَنْقَلِبُ الْوَقْتِيَّةُ الْمُؤَدَّاةُ صَحِيحَةً فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُحْتَجًّا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حُكْمَ الْفَسَادِ لَيْسَ بِمُتَقَرِّرٍ فِيمَا أَدَّى بَلْ هُوَ شَيْءٌ يُفْتَى بِهِ فِي الْوَقْتِ حَتَّى يُعِيدَهُ ثَانِيًا فِي الْوَقْتِ لِيَكُونَ عَمَلًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَبِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَمَتَى مَضَى الْوَقْتُ لَوْ حَكَمْنَا بِفَسَادِ الْوَقْتِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ تَرْكًا لِلْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ بِنَاءً عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَلْ يَجِبُ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا، وَلَا يُعْتَبَرُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي مُقَابَلَتِهِ مُعَارِضًا لَهُ. قَالَ: وَإِلَى هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>