وَثَبَتَ الْحَطِيمُ مِنْ الْبَيْتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَجَعَلْنَا الطَّوَافَ وَاجِبًا لَا يُعَارِضُ الْأَصْلَ.
ــ
[كشف الأسرار]
أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةِ الْحَاجِّ إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ فَإِذَا لَمْ يُعِدْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ أُخِّرَتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ أُدِّيَتْ فِي وَقْتِهَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَيَقُولَانِ إنَّ الْجَوَازَ، وَإِنْ ارْتَفَعَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَكِنَّهُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الْجَوَازِ مِنْهُ مُبَاحٌ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ مُخْتَارًا فَلَأَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ الْخَبَرُ أَوْلَى، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ تَفْوِيتُهُ عَنْ الْوَقْتِ اخْتِيَارًا لَا يَجُوزُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَيْضًا؛ وَلِأَنَّا مَا رَفَعْنَا الْجَوَازَ لَكِنْ أَخَّرْنَاهُ إلَى مَا بَعْدِ الْفَائِتَةِ، وَإِذَا لَمْ تُقَدَّمْ الْفَائِتَةُ لَمْ يَحْصُلْ الْعَمَلُ بِالْخَبَرِ أَصْلًا فَالْأَوَّلُ تَأْخِيرٌ وَالثَّانِي إبْطَالٌ.
وَالتَّأْخِيرُ أَهْوَنُ مِنْهُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْفَوَائِدِ أَنَّ كَثْرَةَ الْفَوَائِتِ لَمَّا الْتَحَقَتْ بِضِيقِ الْوَقْتِ فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ كَانَ قِلَّتُهَا بِمَنْزِلَةِ سَعَةِ الْوَقْتِ فِي وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فَوُجُوبُ الْإِعَادَةِ عِنْدَ الْقِلَّةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ وُجُوبِهَا فِي الْوَقْتِ وَبِمَنْزِلَةِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ لِتَغْرُبَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ الْقِلَّةَ بِمَنْزِلَةِ سَعَةِ الْوَقْتِ فَكَانَ وَقْتُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بَاقِيًا تَقْدِيرًا. وَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا الْفَرْقُ بَيْنَ وُجُوبِ تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ وَوُجُوبِ التَّعْدِيلِ وَاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ وَبَيْنَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فَإِنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا التَّعْيِينَ أَوْ التَّعْدِيلَ أَوْ الطَّهَارَةَ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ يَلْزَمُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ أَوْجَبْنَا التَّرْتِيبَ عِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ عَلَى وَجْهٍ يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْوَقْتِيَّةِ لَا يُؤَدِّي إلَى نَسْخِ الْكِتَابِ بَلْ يَكُونُ تَأْخِيرًا لِحِكْمَةٍ مَعَ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّأْخِيرِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ عَمَلًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. فَإِنْ قِيلَ لَمَّا تَعَيَّنَ آخِرُ الْوَقْتِ لِلْوَقْتِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْفَائِتَةِ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ قَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ عَلَى الْفَائِتَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ لِتَعَيُّنِهِ وَقْتًا لِلْفَائِتَةِ.
قُلْنَا الْمَنْعُ عَنْ تَقْدِيمِ الْوَقْتِيَّةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَنَفَّلَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا آخَرَ لَمْ يُمْنَعْ عَنْهُ فَيُوجِبُ الْفَسَادَ أَمَّا الْمَنْعُ عَنْ تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَقَدْ ثَبَتَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ عَنْ الْوَقْتِ وَلِهَذَا يُكْرَهُ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالنَّافِلَةِ وَبِعَمَلٍ آخَرَ فَلَمْ يُوجِبْ الْفَسَادَ كَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِأَبِي نَصْرٍ الْبَغْدَادِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ (وَثَبَتَ الْحَطِيمُ مِنْ الْبَيْتِ) ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ مُتَّصِلٍ بِالْبَيْتِ مِنْ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فُرْجَةٌ. وَسُمِّيَ بِالْحَطِيمِ؛ لِأَنَّهُ حُطَمٌ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ كَسْرٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْقَتِيلِ وَالْجَرِيحِ. أَوْ؛ لِأَنَّ مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فِيهِ حَطَّمَهُ اللَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فَكَانَ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَالْعَلِيمِ.
ثُمَّ يَجِبُ عَلَى الطَّائِفِ أَنْ يَطُوفَ وَرَاءَ الْحَطِيمِ مِنْ الْبَيْتِ وَلَا يَدْخُلَ تِلْكَ الْفُرْجَةَ فِي طَوَافِهِ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نَذَرَتْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ إنْ فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى مَكَّةَ عَلَى رَسُولِهِ فَجَاءَ بِهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ لَيْلًا إلَى الْبَيْتِ فَصَدَّهَا خَزَنَةُ الْبَيْتِ وَقَالُوا إنَّا نُعَظِّمُ هَذَا الْبَيْتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَمِنْ تَعْظِيمِهَا أَنْ لَا نَفْتَحَ بَابَهُ فِي اللَّيَالِي فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهَا، وَأَدْخَلَهَا فِي الْحَطِيمِ وَقَالَ: صَلِّي هَاهُنَا فَإِنَّ الْحَطِيمَ مِنْ الْبَيْتِ إلَّا أَنَّ قَوْمَك قَصُرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ، وَلَوْلَا حِدْثَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute