قَالَ ذَلِكَ فِي أَرْشِ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النِّسَاءِ أَنَّهُ لَا يَنْتَصِفُ إلَى الثُّلُثِ لِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - السُّنَّةُ
ــ
[كشف الأسرار]
مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ وَالشَّيْخُ الْمُصَنِّفُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَكَذَا الْخِلَافُ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا أَوْ نُهِينَا عَنْ كَذَا. تَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ لَفْظَ السُّنَّةِ يُطْلَقُ عَلَى طَرِيقَةِ غَيْرِ الرَّسُولِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ سَنُّوا أَحْكَامًا كَمَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «جَلَدَ الرَّسُولُ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ» وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» . أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا» . الْحَدِيثَ، وَقَدْ عَنَى بِذَلِكَ سُنَّةَ غَيْرِهِ.
وَالسَّلَفُ كَانُوا يُطْلِقُونَ اسْمَ السُّنَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إذَا قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَوْ السُّنَّةُ بِبَلَدِنَا كَذَا فَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ سُنَّةَ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، وَكَانَ عَرِيفَ السُّوقِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى إطْلَاقِ لَفْظِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ طَرِيقَةُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِطَرِيقَتِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ.
وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْمُقْتَدَى وَالْمُتَّبَعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَفْظُ السُّنَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا يُحْمَلُ إلَّا عَلَى سُنَنِهِ كَمَا لَوْ قِيلَ هَذَا الْفِعْلُ طَاعَةٌ لَا يُحْمَلُ إلَّا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَأَمَّا إضَافَتُهَا إلَى غَيْرِ الرَّسُولِ فَجَازَ لِاقْتِدَائِهِ فِيهَا بِسُنَّةِ الرَّسُولِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ.، وَمَا ذَكَرُوا مِنْ الْحَدِيثِ وَالْإِطْلَاقِ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّا لَا نُنْكِرُ جَوَازَ إطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى طَرِيقَةِ غَيْرِ الرَّسُولِ مَعَ التَّقْيِيدِ، وَإِنَّمَا نَمْنَعُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السُّنَّةِ غَيْرُ سُنَّةِ الرَّسُولِ كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَالْمُعْتَمَدِ.
وَقَوْلُهُمْ اللَّفْظُ مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ إمَّا بِطَرِيقَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ بِطَرِيقَةِ غَيْرِهِ فَتَقْيِيدُهُ بِالْأُولَى أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ (قَالَ ذَلِكَ فِي أَرْشِ مَا دُونَ النَّفْسِ) إلَى آخِرِهِ دِيَةُ الْمَرْأَةِ عِنْدَنَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ، وَمَا دُونَهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَرْأَةُ تُسَاوِي الرَّجُلَ إذَا كَانَ الْأَرْشُ بِقَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ أَوْ دُونَهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَحِينَئِذٍ حَالُهَا فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ لِمَا حُكِيَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَا تَقُولُ فِيمَنْ قَطَعَ إصْبَعَ امْرَأَةٍ قَالَ عَلَيْهِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ قُلْت فَإِنْ قَطَعَ إصْبَعَيْنِ مِنْهَا قَالَ عَلَيْهِ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ قُلْت فَإِنْ قَطَعَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ قَالَ عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ قُلْت فَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ قَالَ عَلَيْهِ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ قُلْت سُبْحَانَ اللَّهِ لَمَّا كَثُرَ أَلَمُهَا وَاشْتَدَّ مُصَابُهَا قَلَّ أَرْشُهَا قَالَ أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قُلْتُ لَا بَلْ جَاهِلٌ مُسْتَرْشِدٌ أَوْ عَاقِلٌ مُسْتَثْبِتٌ فَقَالَ إنَّهُ السُّنَّةُ.
وَهَذَا اللَّفْظُ إذَا أُطْلِقَ فَالْمُرَادُ بِهِ سُنَّةُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمَرَاسِيلُ سَعِيدٍ عِنْدَهُ مَقْبُولَةٌ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ حَدِيثٍ مُسْنَدٍ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ. وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ رَبِيعَةُ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ بِقَطْعِ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْهَا ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ مَا سَقَطَ بِقَطْعِ الْإِصْبَعِ الرَّابِعِ عَشَرَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ لَا تَأْثِيرُ الْقَطْعِ فِي إيجَابِ الْأَرْشِ لَا فِي إسْقَاطِهِ فَهَذَا شَيْءٌ يُحِيلُهُ الْعَقْلُ وَقَوْلُ سَعِيدٍ إنَّهُ السُّنَّةُ مُحْتَمَلٌ يَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ سُنَّةَ نَفْسِهِ أَوْ سَنَةَ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ التَّأَمُّلَ فِي الدِّينِ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ اسْتِنْبَاطِ مَعْنًى طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السُّنَّةِ كَمَا يُقَالُ سُنَّةُ الْعُمَرَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا كَيْفَ وَقَدْ أَفْتَى كِبَارُ الصَّحَابَةِ مِثْلُ عَلِيٍّ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِخِلَافِهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ إنَّ مَا رُوِيَ نَادِرٌ مِثْلُ هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي يُحِيلُهُ عَقْلُ كُلِّ عَاقِلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute