وَقَالَ فِي ذَلِكَ فِي قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ وَعِنْدَنَا هِيَ مُطْلَقَةٌ لَا قَيْدَ فِيهَا فَلَا يُقَيَّدُ بِلَا دَلِيلٍ وَكَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ سُنَّةُ الْعُمَرَيْنِ وَالسُّنَنُ نَوْعَانِ سُنَّةُ الْهُدَى وَتَارِكُهَا يَسْتَوْجِبُ إسَاءَةً وَكَرَاهِيَةً وَالزَّوَائِدِ وَتَارِكُهَا لَا يَسْتَوْجِبُ إسَاءَةً كَسِيَرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي لِبَاسِهِ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَعَلَى هَذَا مَسَائِلُ بَابِ الْأَذَانِ كِتَابُ الصَّلَاةِ اخْتَلَفَتْ فَقِيلَ مَرَّةً يُكْرَهُ وَمَرَّةً أَسَاءَ وَمَرَّةً لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا قُلْنَا، وَإِذَا قِيلَ يُعِيدُ فَذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْوُجُوبِ
ــ
[كشف الأسرار]
لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالشَّاذِّ النَّادِرِ.
وَقَالَ ذَلِكَ فِي قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ. يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقْتَلُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمَا قَالَا مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَالسُّنَّةُ تُحْمَلُ عَلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَقُلْنَا لَمَّا كَانَ هَذَا اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَمَنْ قَالَ مِنْ مَشَايِخِنَا: إنَّ مُطْلَقَ السُّنَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَجَابَ. عَنْ قَوْلِ سَعِيدٍ بِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ طَرِيقَةُ الْغَيْرِ، وَقَدْ قَامَ هَاهُنَا فَإِنَّ أَهْلَ النَّفْلِ خَرَّجُوهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَا قَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمَبْسُوطِ فَقِيلَ وَقَوْلُ سَعِيدٍ إنَّهُ السُّنَّةُ يَعْنِي سُنَّةَ زَيْدٍ.
وَعَنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّيِّدِ إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ فَقَدْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ» . فَقَالَا ذَلِكَ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ مِنْهُمْ يُقْتَلُ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (سُنَّةُ الْهُدَى) يَعْنِي سُنَّةً أَخَذَهَا مِنْ تَكْمِيلِ الْهُدَى أَيْ الدِّينِ، وَهِيَ الَّتِي تَعَلَّقَ بِتَرْكِهَا كَرَاهِيَةٌ أَوْ إسَاءَةٌ. وَالْإِسَاءَةُ دُونَ الْكَرَاهَةِ، وَهِيَ مِثْلُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ. وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي بَعْضِهَا إنَّهُ يَصِيرُ مُسِيئًا فِي بَعْضِهَا إنَّهُ يَأْثَمُ، وَفِي بَعْضِهَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَهِيَ سُنَّةُ الْفَجْرِ، وَلَكِنْ لَا يُعَاقَبُ بِتَرْكِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ، وَلَا وَاجِبَةٍ. وَالزَّوَائِدُ أَيْ وَالنَّوْعُ الثَّانِي الزَّوَائِدُ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ بِتَرْكِهَا كَرَاهَةٌ، وَلَا إسَاءَةٌ نَحْوُ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَتَطْوِيلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسَائِرِ أَفْعَالِهِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا فِي الصَّلَاةِ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَأَفْعَالِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ مِنْ الْمَشْيِ وَاللُّبْسِ وَالْأَكْلِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يُطَالَبُ بِإِقَامَتِهَا، وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا، وَلَا يَصِيرُ مُسِيئًا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا كَذَا فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِ الشَّيْخِ.
وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ مَكْحُولٌ: السُّنَّةُ سُنَّتَانِ سُنَّةٌ أَخْذُهَا هُدًى وَتَرْكُهَا لَا بَأْسَ بِهِ كَالسُّنَنِ الَّتِي لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَسُنَّةٌ أَخْذُهَا هُدًى وَتَرْكُهَا ضَلَالَةٌ كَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ. وَعَلَى هَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا أَصَرَّ أَهْلُ مِصْرٍ عَلَى تَرْكِ الْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ أُمِرُوا بِهِمَا فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا عَلَى ذَلِكَ بِالسِّلَاحِ كَمَا يُقَاتَلُونَ عِنْدَ الْإِصْرَارِ عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُقَاتَلَةُ بِالسِّلَاحِ عِنْدَ تَرْكِ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ فَأَمَّا السُّنَنُ فَإِنَّمَا يُؤَدَّبُونَ عَلَى تَرْكِهَا، وَلَا يُقَاتَلُونَ عَلَى ذَلِكَ لِيَظْهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ. وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ مَا كَانَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ فَالْإِصْرَارُ عَلَى تَرْكِهِ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ فَيُقَاتَلُونَ عَلَى ذَلِكَ لِهَذَا. وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى أَنَّ السُّنَنَ نَوْعَانِ اخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ مَسَائِلِ بَابِ الْآذَانِ فَقِيلَ مَرَّةً يُكْرَهُ، وَمَرَّةً أَسَاءَ، وَمَرَّةً لَا بَأْسَ لِمَا قُلْنَا أَنَّ تَرْكَ مَا هُوَ مِنْ سُنَنِ الْهَدْيِ يُوجِبُ الْكَرَاهَةَ وَالْإِسَاءَةَ، وَتَرْكُ مَا هُوَ مِنْ السُّنَنِ الزَّوَائِدِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا مِنْهُمَا. وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ الْآذَانُ قَاعِدًا لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا أَنَّ الْمَلَكَ قَامَ عَلَى جِذْمِ حَائِطٍ أَيْ أَصْلِهِ. وَيُكْرَهُ تَكْرَارُ الْآذَانِ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ. وَيُكْرَهُ تَرْكُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَإِنْ صَلَّى أَهْلُ الْمِصْرِ بِجَمَاعَةٍ بِغَيْرِ آذَانٍ، وَلَا إقَامَةٍ فَقَدْ أَسَاءُوا لِتَرْكِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ.، وَإِنْ صَلَّيْنَ يَعْنِي النِّسَاءَ بِآذَانٍ وَإِقَامَةٍ جَازَتْ صَلَاتُهُنَّ مَعَ الْإِسَاءَةِ فَالْإِسَاءَةُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَالتَّعْرِيضِ لِلْفِتْنَةِ.
وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤَذِّنَ رَجُلٌ وَيُقِيمَ آخَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute