للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا النَّفَلُ فَمَا يُثَابُ الْمَرْءُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ مَا زَادَ عَلَى الْقَصْرِ مِنْ صَلَاةِ السَّفَرِ نَفْلٌ، وَالنَّفَلُ شَرْعٌ دَائِمًا فَلِذَلِكَ جَعَلْنَاهُ مِنْ الْعَزَائِمِ وَلِذَلِكَ صَحَّ قَاعِدًا وَرَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ مَا شُرِعَ بِلَازِمِ الْعَجْزِ لَا مَحَالَةَ فَلَازِمُ الْيُسْرِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ جِنْسِ الرُّخَصِ

ــ

[كشف الأسرار]

لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَرَ مَقْصُودَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ آخَرُ، وَلَا يُؤَذَّنُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ، وَهُوَ إعْلَامُ النَّاسِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يَحْصُلْ وَيُعَادُ آذَانُ الْجُنُبِ، وَكَذَا آذَانُ الْمَرْأَةِ فَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمْثَالُهُ يُخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْأَصْلِ

١ -

قَوْلُهُ (وَأَمَّا النَّفَلُ فَمَا يُثَابُ الْمَرْءُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ) عَرَّفَ النَّفَلَ بِبَيَانِ حُكْمِهِ إذْ الْمَذْكُورُ حُكْمُ النَّفْلِ وَلِهَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَحُكْمُ النَّفْلِ شَرْعًا أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ نَوَافِلُ الْعِبَادَاتِ هِيَ الَّتِي يَبْتَدِئُ بِهَا الْعَبْدُ زِيَادَةً عَلَى الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ، وَحُكْمُهَا أَنْ يُثَابَ الْعَبْدُ عَلَى فِعْلِهَا، وَلَا يُذَمُّ عَلَى تَرْكِهَا؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ زِيَادَةً لَهُ لَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ السُّنَّةِ فَإِنَّهَا طَرِيقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْ حَيْثُ سَبِيلُهَا الْإِحْيَاءُ كَانَ حَقًّا عَلَيْنَا فَعُوتِبْنَا عَلَى تَرْكِهَا. وَلِذَلِكَ أَيْ، وَلَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّفَلَ كَذَا قُلْنَا أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْقَصْرِ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ، وَهُوَ الشَّفْعُ الثَّانِي نَفْلٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ رَأْسًا، وَأَصْلًا وَيُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ نَفْلٌ لَا يَصِحُّ خَلْطُهُ بِالْفَرْضِ كَمَا فِي الْفَجْرِ. وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ صَوْمُ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ ثُمَّ إنَّهُ لَوْ أَدَّاهُ يَقَعُ فَرْضًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّرْكِ، وَهُوَ التَّرْكُ مُطْلَقًا وَصَوْمُ الْمُسَافِرِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ فِي الْجُمْلَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّوْمِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ نَفْلًا. وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَى الْآيَةِ أَوْ الثَّلَاثِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ أَنَّهَا تَقَعُ فَرْضًا.؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا قَبْلَ وُجُودِهَا وَتَحَقُّقِهَا كَانَتْ فَرْضًا بَلْ هِيَ كَانَتْ نَفْلًا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذِمَّتِهِ الْإِتْيَانُ بِهَا، وَلِذَلِكَ اسْتَقَامَ عَلَيْهَا حَدُّ النَّفْلِ، وَلَكِنَّهَا انْقَلَبَتْ فَرْضًا بَعْدَ وُجُودِهَا لِدُخُولِهَا تَحْتَ مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَعُمُومِهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] . كَانْقِلَابِ الْيَمِينِ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ بَعْدَ فَوَاتِ الْبِرِّ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّافِلَةَ تَصِيرُ فَرْضًا بِالشُّرُوعِ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَكَذَا الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ فَرْضًا بَعْدَ الْوُجُودِ لِتَنَاوُلِ الْأَمْرِ إيَّاهَا فَإِنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْأَدْنَى، وَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى مَا فَوْقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِقْدَارُهُ مَعْلُومًا فِي نَفْسِهِ فَإِذَا أَتَى بِهِ فَقَدْ صَارَ مِقْدَارًا مَعْلُومًا فَأَمْكَنَ صَرْفُ الْأَمْرِ إلَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْيُسْرِ.

فَأَمَّا الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ فَيَتَنَاوَلُ أَفْعَالًا مُقَدَّرَةً فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمْرِ بِحَالٍ فَلَا تَقَعُ فَرْضًا. وَلِذَلِكَ جَعَلْنَاهُ مِنْ الْعَزَائِمِ أَيْ؛ وَلِأَنَّ النَّفَلَ شَرْعٌ دَائِمًا جَعَلْنَاهُ مِنْ الْعَزَائِمِ؛ لِأَنَّ دَوَامَ شَرْعِيَّتِهِ يَدُلُّ عَلَى وَكَادَتِهِ وَأَصَالَتِهِ، إذْ لَوْ بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ لَشُرِعَ فِي وَقْتِ الْعُذْرِ لَا دَائِمًا. وَلَا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ شَرْعٌ دَائِمًا لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مَشْرُوعٌ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مَعَ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَتَّى لَوْ شُرِعَ فِيهِ، وَأَفْسَدَهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلِذَا صَحَّ قَاعِدًا أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّهُ شَرْعٌ دَائِمًا صَحَّ أَدَاؤُهُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ. لَوْ رَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ بِالْإِيمَاءِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي شُرِعَ، وَهُوَ وَصْفُ الدَّوَامِ يُلَازِمُ الْعَجْزَ وَالْحَرَجَ فَلَا يُمْكِنُ إقَامَتُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ الْحَوَادِثُ مِنْ الْمَرَضِ وَالضَّعْفِ وَالْحَاجَةِ إلَى الرُّكُوبِ وَنَحْوِهَا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ تُعْتَبَرُ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>