للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا شُرِعَ النَّفَلُ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى كَذَلِكَ غَيْرَ لَازِمٍ وَقَدْ غَيَّرْتُمْ أَنْتُمْ وَقُلْتُ إنَّ مَا لَمْ يُفْعَلْ بَعْدُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ فَبَطَلَ الْمُؤَدَّى حُكِمَ لَهُ كَالْمَظْنُونِ

ــ

[كشف الأسرار]

الْعَوَارِضُ فِي الْحَالِ إذْ لَوْ لَمْ تُعْتَبَرْ الْعَوَارِضُ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ فَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا الْأَدَاءَ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ نَشِطَ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَرَاكِبًا. وَهَذَا الْقَدْرُ أَيْ شَرْعِيَّةُ الْأَدَاءِ قَاعِدًا أَوْ رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ جِنْسِ الرُّخَصِ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ قُدِّرَ مَوْجُودًا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَكَانَ شَرْعِيَّتُهُ بِنَاءً عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ شُبْهَةٌ بِالرُّخْصَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَكَأَنَّهُ أَخَّرَ ذِكْرَهُ عَنْ سَائِرِ أَقْسَامِ الْعَزَائِمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ عَزِيمَةً قَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) إلَى آخِرِهِ إذَا شَرَعَ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ أَوْ فِي صَوْمِ النَّفْلِ يُؤَاخَذُ بِالْمُضِيِّ فِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَمْضِ يُؤَاخَذُ بِالْقَضَاءِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُؤَاخَذُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ النَّفَلَ لِلشَّرْعِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ، وَهُوَ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ حَتَّى يُثَابَ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى كَذَلِكَ بَعْدَ الشُّرُوعِ.

وَلَا يَصِيرُ لَازِمًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّيْءِ لَا يَتَغَيَّرُ بِالشُّرُوعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ نَفْلٌ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ، وَلِهَذَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ، وَلَوْ أَتَمَّهُ كَانَ مُؤَدِّيًا لِلنَّفْلِ لَا مُسْقِطًا لِلْوَاجِبِ، وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ وَيُبَاحُ الْإِفْطَارُ بِعُذْرِ الضِّيَافَةِ، وَلَوْ صَارَ فَرْضًا لَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ.

وَإِذَا كَانَ نَفْلًا حَقِيقَةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي كَمَا كَانَ مُخَيَّرًا فِي الِابْتِدَاءِ تَحْقِيقًا لِلنَّفْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ آخِرَهُ مِنْ جِنْسِ أَوَّلِهِ. وَقَدْ غَيَّرْتُمْ أَنْتُمْ حَيْثُ قُلْتُمْ بِاللُّزُومِ فِي الْبَاقِي. وَقُلْتُ أَنَا إنَّ مَا لَمْ نَفْعَلْ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ مَا أَدَّى جُزْءًا مِنْهُ. وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ أَيْ فِيمَا لَمْ يُؤَدِّ؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ فَيَكُونُ عَلَى وَفْقِ الِابْتِدَاءِ فَمَنْ أَخْرَجَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِلتَّصَدُّقِ نَفْلًا فَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْخِيَارِ فِي الْبَاقِي، وَكَذَا إذَا تَصَدَّقَ، وَلَمْ يُسَلِّمْ كَانَ الْخِيَارُ فِي التَّسْلِيمِ فَكَذَا إذَا صَلَّى رَكْعَةً كَانَ بِالْخِيَارِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى. وَإِذَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي وَحَلَّ لَهُ تَرْكُ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ يَبْطُلُ الْمُؤَدَّى ضِمْنًا لَهُ وَتَبَعًا لِتَرْكِ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ إبْطَالًا حُكْمًا كَمُسَافِرٍ صَلَّى الظُّهْرَ لَا يَحِلُّ لَهُ إبْطَالُهَا لَكِنْ يَحِلُّ لَهُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ ثُمَّ الظُّهْرِ يَبْطُلُ حُكْمًا لِمَا جُعِلَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَحَلَّ لَهُ، وَكَمَنْ أَحْرَقَ حَصَائِدَ أَرْضِ نَفْسِهِ فَاحْتَرَقَ زَرْعُ جَارِهِ أَوْ سَقَى نَفْسَهُ فَنَزَّتْ أَرْضُ جَارِهِ لَا يُجْعَلُ ذَلِكَ إتْلَافًا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَبَعًا لِمَا هُوَ حَلَالٌ لَهُ.

وَلَمَّا كَانَ بُطْلَانُ الْمُؤَدَّى أَمْرًا حُكْمِيًّا لَا بِصُنْعِهِ لَا يَضْمَنُ بِالْقَضَاءِ كَالْمَظْنُونِ، وَهُوَ مَا إذَا شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهُ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ يَصِيرُ شَارِعًا فِي النَّفْلِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ أَفْسَدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الْأَدَاءِ، وَإِنَّ الْبُطْلَانَ ضِمْنِيٌّ فَكَذَا هَاهُنَا. وَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ الْتِزَامٌ بِالْقَوْلِ، وَلَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ فَإِذَا أَتَى بِكَلِمَةِ الِالْتِزَامِ لَزِمَهُ، وَأَمَّا الشُّرُوعُ فَلَيْسَ بِالْتِزَامٍ بَلْ هُوَ أَدَاءُ بَعْضِ الْعِبَادَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا بَقِيَ الْتِزَامٌ فَلَا يَلْزَمُهُ. وَنَظِيرُهُ الْكَفَالَةُ مَعَ الْفَرْضِ أَوْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ لَمَّا الْتَزَمَ بِالْقَوْلِ فَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ فَأَمَّا الْمُقْرِضُ وَالْمُتَصَدِّقُ فَلَا يَلْتَزِمُ بِالْقَوْلِ، وَلَكِنْ شُرِعَ فِي الْإِعْطَاءِ فَبِقَدْرِ مَا أَدَّى يَصِحُّ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يُعْطِ.

يُوَضِّحُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَوْ نَذَرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ شَرَعَ يَنْوِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا يَلْزَمُهُ. وَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ قَائِمًا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ، وَلَوْ شَرَعَ قَائِمًا لَا يَلْزَمُهُ. وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ يَلْزَمُهُ عِنْدَكُمْ، وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ أَدَاءٌ بِالْفِعْلِ وَالنَّذْرُ إيجَابٌ فِي الذِّمَّةِ بِالْقَوْلِ ثُمَّ فِي النَّذْرِ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا سَمَّى فَكَذَلِكَ بِالشُّرُوعِ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَمَا لَمْ يُؤَدِّهِ لَا يَلْزَمُهُ كَمَا أَنَّ مَا لَمْ يُسَمِّهِ بِالنَّذْرِ لَا يَلْزَمُهُ. فَبَطَلَ الْمُؤَدَّى يَعْنِي عِنْدَ الِامْتِنَاعِ عَنْ أَدَاءِ الْبَاقِي. حُكْمًا لَهُ أَيْ لِلِامْتِنَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>