للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ إذَا لَازَمَهُ فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِهِ دَلَّ أَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ

ــ

[كشف الأسرار]

حُدُوثَهُمَا بِإِحْدَاثِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْعَبْدِ وَاكْتِسَابِهِ إيَّاهُمَا، وَهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَإِضَافَةُ حُدُوثِهِمَا إلَى الْأَزْمِنَةِ مُحَالٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ وُجُوبُهُمَا حَادِثًا بِالْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَى الْوَقْتِ بَلْ نَفْسُ الْعِبَادَةِ هِيَ الْمُضَافَةُ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِحَادِثَةٍ بِالْوَقْتِ، وَلَا يَصِحُّ إضَافَةُ مَا يَحْدُثُ عَلَى زَعْمِ هَذَا الْقَائِلِ بِالْوَقْتِ إلَى الْوَقْتِ فَإِنَّك لَوْ قُلْت وُجُوبُ الْوَقْتِ كَانَ فَاسِدًا لَا يُفْهَمُ حُدُوثُهُ بِهِ، وَلَوْ قُلْت وُجُوبُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَا يُفْهَمُ حُدُوثُ الْوُجُوبِ بِفِعْلِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.

وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِهِ وَالْوُجُوبُ هُوَ الْحَادِثُ فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ بِالْوَقْتِ كَانَ مَا اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ لَيْسَ بِحَادِثٍ أَوْ كَانَ الْوُجُوبُ هُوَ الْمُضَافُ أَوْ مَا اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ لَيْسَ بِمُضَافٍ وَسَاقَ كَلَامًا طَوِيلًا إلَى أَنْ قَالَ: وَالْوَجْهُ الصَّحِيحُ لِتَرْجِيحِ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ عَلَى جِهَتَيْ الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ أَنْ يَقُولَ ثَمَرَةُ الْإِضَافَةِ التَّعْرِيفُ، وَلَنْ يَحْصُلَ هُوَ إلَّا بِالِاخْتِصَاصِ، وَهُوَ تَمَيُّزُ الشَّيْءِ عَنْ غَيْرِهِ بِمَا يُوجِبُ ذَلِكَ مِنْ صِفَةٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ أَوْ اسْمِ عَلَمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ قَوْلُك صَوْمُ الشَّهْرِ وَصَلَاةُ الظُّهْرِ تَعْرِيفٌ لَهُمَا فَيَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصِفَةٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَذَلِكَ إمَّا وُجُودُهُ فِي الْوَقْتِ، وَإِمَّا وُجُوبُهُ بِهِ أَوْ وُجُوبُهُ فِيهِ وَجَانِبُ الْوُجُودِ مُنْتَفٍ لِزَوَالِ الِاخْتِصَاصِ بِهَذَا الْوَصْفِ فَإِنَّ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ يُوجَدُ غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ مِنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَالنَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، وَكَذَا الصَّوْمُ فِي وَقْتِهِ غَالِبُ الْوُجُودِ لَا مُتَيَقَّنُ الْوُجُودِ فَإِنَّ نِيَّةَ النَّفْلِ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يَصِحُّ عِنْدَ مَالِكٍ وَيَقَعُ عَنْ النَّفْلِ. وَكَذَا الْمُسَافِرُ لَوْ صَامَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَكَذَا يُتَصَوَّرُ الِانْفِكَاكُ بَيْنَ الْوُجُودِ وَبَيْنَ الْوَقْتِ فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مِنْ جُمْلَةِ النَّاسِ مُتَصَوَّرٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ الِاخْتِصَاصُ بِطَرِيقِ الْيَقِينِ فَلَمْ يَحْصُلْ التَّعْرِيفُ يَقِينًا. فَأَمَّا الْوُجُوبُ بِالْوَقْتِ أَوْ فِيهِ فَمُتَيَقَّنٌ فَكَانَ صَرْفُ مُطْلَقِ الْكَلَامِ إلَيْهِ أَوْلَى. فَصَارَ مُطْلَقُ الْإِضَافَةِ دَلِيلَ تَعَلُّقِ الصَّوْمِ بِهِ وُجُوبًا إمَّا بِطَرِيقِ السَّبَبِيَّةِ أَوْ بِالشَّرْطِيَّةِ. ثُمَّ يُرَجَّحُ جَانِبُ السَّبَبِيَّةِ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَقْوَى اخْتِصَاصًا وَآكَدُ لُزُومًا بِالسَّبَبِ مِنْهُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِالسَّبَبِ تَعَلُّقُ الْوُجُودِ وَتَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطِ تَعَلُّقُ الْمُجَاوَرَةِ كَمَا فِي الظَّرْفِ فَكَانَ اتِّصَالُ الثُّبُوتِ وَالْوُجُودِ أَقْوَى مِنْهُ، وَكَذَا تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَتَعَلُّقُهُ بِالشَّرْطِ بِوَاسِطَةٍ بَلْ لَا تَعَلُّقَ لِلشَّرْطِ بِالْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بَلْ جُعِلَ لِانْعِقَادِ الْعِلَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الِاخْتِصَاصَ بِمُقَابَلَةِ هَذَا عَدَمٌ، وَاخْتِصَاصُ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ حَقِيقِيٌّ وَبِالشَّرْطِ جَارٍ مَجْرَى الْمَجَازِ بِمُقَابَلَةِ هَذَا فَانْصَرَفَتْ الْإِضَافَةُ فِي الدَّلَالَةِ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا لَازَمَهُ) دَلِيلُ قَوْلِهِ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْإِضَافَةَ تَدُلُّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ تَدُلُّ عَلَى مُلَازَمَةِ الشَّيْءِ الشَّيْءَ وَتَعَلُّقِهِ بِهِ وَتَكَرُّرِهِ بِتَكَرُّرِهِ عَلَى السَّبَبِيَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ تُضَافُ إلَى الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ فَلَمَّا تَكَرَّرَ الْحُكْمُ بِتَكَرُّرِ شَيْءٍ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَادِثٌ بِهِ إذْ هُوَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ لِحُدُوثِهِ. ثُمَّ الْوُجُوبُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَمْرٌ حَادِثٌ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ يُضَافُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ هَاهُنَا إلَّا الْأَمْرُ أَوْ الْوَقْتُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِوَقْتٍ أَوْ شَرْطٍ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ تَصَدَّقْ مِنْ مَالِي بِدِرْهَمٍ إذَا أَمْسَيْتَ أَوْ إذَا دَلَكَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>