للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِهَذَا أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْعِبَادِ، وَلَا وُجُوبَ إلَّا عَلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ، وَلَا وُجُودَ لِمَنْ هُوَ أَهْلُهُ عَلَى مَا أَجْرَى بِهِ سُنَّتَهُ إلَّا وَالسَّبَبُ يُلَازِمُهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الْمَقْصُودَ بِهِ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْإِيمَانُ عَالِمٌ بِنَفْسِهِ سُمِّيَ عَالِمًا؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ عَلَمًا عَلَى وُجُودِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ إيمَانَ الصَّبِيِّ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا وَلَا مَأْمُورًا؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِنَفْسِهِ وَسَبَبُهُ قَائِمٌ فِي حَقِّهِ دَائِمٌ لِقِيَامِ دَوَامِ مَنْ هُوَ مَقْصُودٌ بِهِ وَصِحَّةُ الْأَدَاءِ تُبْتَنَى عَلَى كَوْنِ الْمُؤَدَّى مَشْرُوعًا بَعْدَ قِيَامِ سَبَبِهِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلُهُ لَا عَلَى لُزُومِ أَدَائِهِ كَتَعْجِيلِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَوَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا شُبْهَةٍ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا فِي الظَّاهِرِ فِي حَقِّنَا الْوَقْتُ الَّذِي تُنْسَبُ وُجُوبُهَا فِي الظَّاهِرِ فِي حَقِّنَا الْوَقْتُ الَّذِي تُنْسَبُ إلَيْهِ

ــ

[كشف الأسرار]

وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَصِفَاتِهِ الْكَامِلَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْعَالَمُ الْأَكْبَرُ فَكَانَ وُجُوبُ الْإِيمَانِ دَائِمًا بِدَوَامِ سَبَبِهِ غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلنَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، وَكَانَ الشَّيْخُ إنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِهِ كَذَا جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَصْلُحُ حُدُوثُ الْعَالَمِ سَبَبًا لِلْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ أَمْرٌ أَزَلِيٌّ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِسَبَبٍ وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَقَدُّمُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ أَيْضًا. فَقَالَ لَا نَعْنِي بِهِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْوَحْدَانِيَّةِ، وَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ كَذَا. وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْإِيمَانُ يُوجَدُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِدَايَتِهِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَبِفِعْلِ الْعَبْدِ، وَكَسْبِهِ الَّذِي هُوَ مَخْلُوقٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُجْعَلَ حَدَثُ الْعَالَمِ سَبَبًا لِفِعْلِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَقَالَ: إنَّمَا نَجْعَلُهُ سَبَبًا لِفِعْلِ الْعَبْدِ لَا لِفِعْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَا نَعْنِي بِهَذَا أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِدَايَتِهِ، وَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ كَذَا، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْفَقُ لِنَظْمِ الْكِتَابِ فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى مَا أَجْرَى بِهِ سُنَنَهُ، وَأَنَّهُ يُذْكَرُ فِيمَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَهَا هُنَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَكَّ السَّبَبُ عَنْ الْوُجُوبِ لِاسْتِحَالَةِ زَوَالِ الْحُدُوثِ عَنْ الْمُحْدِثِ، وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا اللَّفْظُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

(قُلْنَا) ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِوُجُوبِ الْإِيمَانِ عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ أَشْيَاءَ أُخَرَ مِنْ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهِمَا، وَكُلُّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِيمَانِ عَلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ بِدُونِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْإِيمَانِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ عَالِمًا بِنَفْسِهِ فَمَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَتَكَثَّرُ أَسْبَابُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ حَدَثَ الْعَالَمِ الَّذِي هُوَ لَازِمٌ لِلْوُجُوبِ سَبَبًا، وَأَمَارَةً عَلَى إيجَابِهِ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ شَيْئًا آخَرَ سَبَبًا، وَأَمَارَةً عَلَى إيجَابِهِ الْإِيمَانَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ لَازِمًا لِلْوُجُوبِ كَمَا فُعِلَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّ الْوَقْتَ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لَيْسَ بِمُلَازِمٍ لِلْوُجُوبِ فَإِنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَانْقِضَاءِ الشَّهْرِ، وَلَكِنَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ أَجْرَى سُنَّتَهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْإِيمَانِ شَيْئًا دَائِمًا مُلَازِمًا لِلْوُجُوبِ لِيَدُلَّ عَلَى دَوَامِ الْوُجُوبِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ يُلَازِمُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ. قُلْنَا إنَّ إيمَانَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِأَدَاءِ الْإِيمَانِ فِي الْحَالِ، وَلَا مَأْمُورًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ مَشْرُوعٌ بِنَفْسِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ، وَقَدْ تَحَقَّقَ سَبَبُهُ فِي حَقِّهِ، وَوُجِدَ رُكْنُهُ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ عَنْ مَعْرِفَةٍ وَتَمْيِيزٍ مِمَّنْ هُوَ أَهْلُهُ، وَهُوَ الصَّبِيُّ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ كَمَا إذَا ثَبَتَ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ. أَمَّا تَحَقُّقُ السَّبَبِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا وُجُودُ الرُّكْنِ فَكَذَلِكَ إذْ الْكَلَامُ فِي صَبِيٍّ عَاقِلٍ مُمَيِّزٍ يُنَاظِرُ فِي وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحُجَجِ، وَقَدْ ضُمَّ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ إلَى التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ وَلِهَذَا صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ بِأَعْمَالِ الْبَشَرِ عِنْدَ الْخَصْمِ. وَأَمَّا الْأَهْلِيَّةُ فَلِأَنَّ الْإِيمَانَ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِمَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ أَصْلًا فَبَعْدَ ذَلِكَ امْتِنَاعُ صِحَّةِ الْأَدَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَجْرٍ شَرْعِيٍّ، وَالْقَوْلُ بِالْحَجْرِ عَنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ ضَرُورَةً. ثُمَّ سُقُوطُ الْخِطَابِ عَنْهُ بِسَبَبِ الصِّبَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ الَّذِي يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ فَأُكْرِهَ عَلَى أَنْ لَا يُسْلِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>