وَإِنَّمَا نُسِبَتْ إلَى الْفِطْرِ مَجَازًا وَالنِّسْبَةُ تَحْتَمِلُ الِاسْتِعَارَةَ فَأَمَّا تَضَاعُفُ الْوُجُوبِ فَلَا يَحْتَمِلُ الِاسْتِعَارَةَ وَبَيَانُ قَوْلِنَا إنَّ الْإِضَافَةَ تَحْتَمِلُ الِاسْتِعَارَةَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا فَأَمَّا تَضَاعُفُ الْوُجُوبِ فَلَا يَحْتَمِلُ الِاسْتِعَارَةَ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبٍ أَوْ عِلَّةٍ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الِاسْتِعَارَةُ
ــ
[كشف الأسرار]
الْمُعْسِرِ لَمْ يَجِبْ الصَّدَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ وَالْأَبِ، وَإِنْ وُجِدَتْ الْمُؤْنَةُ، وَإِذَا عُدِمَتْ الْمُؤْنَةُ بِأَنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ حَتَّى وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِيهِ لَمْ تَجِبْ صَدَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَإِنْ وُجِدَتْ الْوِلَايَةُ.
قَالَ نَهْجُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا بِالشَّرْعِ وَبِدَلَالَةٍ مِنْ الْمَعْنَى. أَمَّا الشَّرْعُ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قَالَ «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» . فَقَدْ اعْتَبَرَ الْمُؤْنَةَ، وَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَوْجَبَ فِي الصِّغَارِ وَالْمَمَالِيكِ فَقَدْ اعْتَبَرَ الْوِلَايَةَ أَيْضًا فَدَلَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا.، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْوُجُوبِ رَأْسُ الْإِنْسَانِ، وَإِنَّمَا يَلْحَقُ رَأْسُ غَيْرِهِ بِهِ إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا. ثَبَتَ ذَلِكَ أَيْ كَوْنُ الرَّأْسِ سَبَبًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَا.
وَبَيَانُهُ أَيْ بَيَانُ ثُبُوتِ كَوْنِ الرَّأْسِ سَبَبًا بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ كَلِمَةَ عَنْ لِانْتِزَاعِ الشَّيْءِ أَيْ لِانْفِصَالِ الشَّيْءِ عَنْ الشَّيْءِ وَتَعَدِّيهِ مِنْهُ يُقَالُ رَمَيْتُ عَنْ الْقَوْسِ، وَأَخَذَتْ عَنْهُ حَدِيثًا أَيْ انْفَصَلَ عَنْهُ إلَيَّ وَبَلَغَنِي عَنْهُ كَذَا أَيْ تَعَدَّى وَتَجَاوَزَ عَنْهُ إلَيَّ وَأَخَذْتُ الدِّرَّةَ عَنْ الْحِقَّةِ أَيْ نَزَعْتُهَا عَنْهَا. فَيَدُلُّ أَيْ حَرْفُ عَنْ أَوْ الْحَدِيثُ. عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِالِاسْتِقْرَاءِ. إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ عَنْ. سَبَبًا يَنْتَزِعُ الْحُكْمُ عَنْهُ أَيْ عَنْ السَّبَبِ كَمَا يُقَالُ أَدِّ الزَّكَاةَ عَنْ مَالِهِ، وَأَدِّ الْخَرَاجَ عَنْ أَرْضِهِ أَيْ بِسَبَبِهِمَا وَيُقَالُ سَمِنَ عَنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ أَيْ بِسَبَبِهِمَا، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات: ٩] . إذَا جُعِلَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إلَى قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ أَيْ يَصْدُرُ إفْكُهُمْ عَنْ الْقَوْلِ الْمُخْتَلَفِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَدُّوا الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ النَّاشِئَةَ عَنْ كَذَا. أَوْ مَحَلًّا يَجِبُ الْحَقُّ عَلَيْهِ فَيُؤَدَّى عَنْهُ كَالدِّيَةِ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ يَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ عَنْهُ لِاسْتِحَالَةِ الْوُجُوبِ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَصَوَّرْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ اسْتَحَالَ تَكْلِيفُهُ بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ. وَالْكَافِرِ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. وَالْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْجِرَابِ خَرَاجٌ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ انْتِزَاعُ الْحُكْمِ عَنْ سَبَبِهِ، وَأَنَّ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ كَلِمَةٌ عَنْ سَبَبٍ. وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ فِي مِثْلِيَّةِ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْعَبْدِ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَوْلَى يَنُوبُ عَنْهُ كَالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا قَالَ: «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ» .
عُلِمَ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْعَبْدِ إذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ أَدَاءُ الْمَوْلَى عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ الْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الزَّكَاةِ أَدِّ عَنْ الشَّاةِ أَوْ أَدِّ عَنْ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ أَدُّوا مِنْ أَمْوَالِكُمْ. ثُمَّ ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ أَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْبَهِيمَةِ فِي بَابِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَدُّوا عَنْهُ. عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنْسَانٌ مُخَاطَبٌ، وَهَذِهِ صَدَقَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ وَالْمَوْلَى يَنُوبُ عَنْهُ، وَلَكِنْ فِي بَاطِنِ الْمَعْنَى فَلَا وُجُوبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اُلْتُحِقَ بِالْبَهِيمَةِ فِيمَا مَلَكَ عَلَيْهِ وَالْأَجْزَاءُ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى النَّفَقَةِ مَمْلُوكَةٌ وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ تَجِبُ بِسَبَبِ الرَّأْسِ كَالنَّفَقَةِ فَعَلَى اعْتِبَارِ أَصْلِ الْخِلْقَةِ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَبْدِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الْعَارِضِ عَلَى الْمَوْلَى فَصَحَّتْ الْعِبَارَةُ بِكَلِمَةِ عَنْ إشَارَةً إلَى الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ. وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِكَوْنِ الرَّأْسِ سَبَبًا تَضَاعَفَ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِتَضَاعُفِ الرُّءُوسِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ سَبَبًا لَمَا تَضَاعَفَ بِتَعَدُّدِ الرَّأْسِ فَدَلَّ أَنَّ الرَّأْسَ هُوَ السَّبَبُ دُونَ الْوَقْتِ، وَلَكِنَّ الْوَقْتَ شَرْطُهُ. حَتَّى لَا يُعْمَلَ السَّبَبُ أَيْ لَا يَجِبَ الْأَدَاءُ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ، وَهُوَ الْوَقْتُ كَالنِّصَابِ لَا يَظْهَرُ عَمَلُهُ فِي إيجَابِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ إلَّا عِنْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ.
قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا نُسِبَتْ إلَى الْفِطْرِ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ إضَافَتَهَا إلَى الْوَقْتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَبَبٌ فَقَالَ إنَّمَا نُسِبَتْ إلَى الْفِطْرِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ زَمَانُ الْوُجُوبِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ سَبَبًا.، وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهَا عَلَى الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَحْتَمِلُ الْمَجَازَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute