للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] سِيقَ لِإِثْبَاتِ النَّفَقَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: ٢٣٣] إلَى أَنَّ النَّسَبَ إلَى الْآبَاءِ

ــ

[كشف الأسرار]

وَمَا رُوِيَ «أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ أَغَارَ عَلَى سَرْحٍ بِالْمَدِينَةِ وَفِيهَا نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ الْعَضْبَاءُ وَأَسَرَ امْرَأَةَ الرَّاعِي قَالَتْ الْمَرْأَةُ فَلَمَّا جَنَّ اللَّيْلُ قَصَدْت الْفِرَارَ فَمَا وَضَعْت يَدِي عَلَى بَعِيرٍ إلَّا رَغَا حَتَّى وَضَعْت يَدِي عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ الْعَضْبَاءَ فَرَكَنَتْ إلَيَّ فَرَكِبْتهَا وَقُلْت إنْ نَجَّانِي اللَّهُ عَلَيْهَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَهَا فَلَمَّا أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بِئْسَ مَا جَازَيْتِهَا لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ وَإِنَّهَا نَاقَةٌ مِنْ إبِلِي ارْجِعِي إلَى أَهْلِك عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى» ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ سَبِيلِهِمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَا عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَنَا بِالِاسْتِيلَاءِ أَيْضًا إنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْأَمْوَالِ، أَوْ الْمُرَادُ نَفْيُ السَّبِيلِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة: ١١٣] ، أَوْ نَفْيُ الْحُجَّةِ كَمَا قَالَ السُّدِّيَّ وَلَا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أَلَا تَنْزِلْ دَارَك يَعْنِي الدَّارَ الَّتِي وَرِثَهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَقَدْ كَانَ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا عَقِيلٌ بَعْدَ هِجْرَتِهِ فَقَالَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ» .

وَلَا يُقَالُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ خَرَّبَهَا وَلَمْ تَبْقَ صَالِحَةً لِلنُّزُولِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَلَا تَنْزِلْ دَارَك يَأْبَى ذَلِكَ، وَمُؤَوَّلٌ بِأَنَّ عُيَيْنَةَ لَمْ يُحْرِزْهَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَمْلِكْهَا وَلَا مَلَكَتْ الْمَرْأَةُ؛ فَلِهَذَا اسْتَرَدَّهَا مِنْهَا وَجَعَلَ نَذْرَهَا فِيمَا لَا تَمْلِكُ فَلَمَّا لَمْ يَصْلُحْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقَرَائِنِ صَارِفًا لِلَفْظِ الْفُقَرَاءِ إلَى الْمَجَازِ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إذْ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِشَارَةَ قَدْ تَكُونُ مُوجِبَةً لِمُوجِبِهَا قَطْعًا مَثَلُ الْعِبَارَةِ مَثَلُهَا فِي قَوْله تَعَالَى، {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] ، وَقَدْ لَا تُوجِبَ قَطْعًا وَذَلِكَ عِنْدَ اشْتِرَاكِ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُرَادًا بِالْكَلَامِ، فَأَمَّا كَوْنُهَا حُجَّةً فَلَا خِلَافَ فِيهِ.

قَوْلُهُ (وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ) إمَّا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ قَوْله تَعَالَى لِلْفُقَرَاءِ وَقَوْلُهُ سِيقَ لِكَذَا جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ وَإِمَّا مُبْتَدَأٌ وَسِيقَ خَبَرُهُ فَيَكُونُ مَرْفُوعَ الْمَحَلِّ وَأَشَارَ عُطِفَ عَلَى سِيقَ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُّ فِيهِمَا يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ، وَكَذَا الْبَارِزُ فِي بِقَوْلِهِ أَيْ سِيقَ هَذَا الْقَوْلُ لِكَذَا وَأَشَارَ هَذَا الْمَسُوقُ بِقَوْلِهِ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ إلَى كَذَا فَكَأَنَّهُ قَدَّرَ الْمَسُوقَ قَائِلًا هَذَا الْكَلَامَ، أَوْ الضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُ فِي أَشَارَ وَالْبَارِزُ فِي بِقَوْلِهِ يَرْجِعَانِ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سِيقَ مِنْ السَّائِقِ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ جَازَ ذَلِكَ، وَكَأَنَّهُ هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَيْ سِيقَ هَذَا الْقَوْلُ لِكَذَا وَأَشَارَ السَّائِقُ هَذَا الْقَوْلَ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: ٢٣٣] إلَى كَذَا، أَوْ الْبَاءُ فِي بِقَوْلِهِ زَائِدَةٌ وَأَشَارَ مُسْنَدٌ إلَى الْقَوْلِ وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ رَاجِعٌ إلَى اللَّهِ أَيْ سِيقَ قَوْلُ اللَّهِ، وَهُوَ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: ٢٣٣] إلَى آخِرِهِ لِكَذَا وَأَشَارَ قَوْلُهُ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: ٢٣٣] إلَى كَذَا وَفِي الْكُلِّ بُعْدٌ.

وَلَوْ قِيلَ أُشِيرَ لَكَانَ أَحْسَنَ. قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: ٢٣٣] أَيْ وَعَلَى الَّذِي وُلِدَ لَهُ، وَهُوَ الْأَبُ، وَلَهُ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ نَحْوُ عَلَيْهِمْ فِي {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: ٧] ، {رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] أَيْ طَعَامُ الْوَالِدَاتِ وَلِبَاسُهُنَّ، {بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] أَيْ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، أَوْ تَفْسِيرُهُ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ فِي الْآيَةِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْوَالِدَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>