للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا إذَا كَانَ ظَهَرَ حَدِيثُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ السَّلَفِ إلَّا الرَّدُّ لَمْ يُقْبَلْ حَدِيثُهُ وَصَارَ مُسْتَنْكَرًا لَا يُعْمَلُ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَصَارَ هَذَا غَيْرَ حُجَّةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ حُجَّةٌ يُحْتَمَلُ شُبْهَةً عِنْدَ التَّأَمُّلِ

ــ

[كشف الأسرار]

رَدٌّ وَلَا قَبُولٌ فَيَلْتَحِقُ بِالْقِسْمِ الْخَامِسِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقِسْمُ مَقْبُولًا بِالِاتِّفَاقِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ فَإِنْ خَالَفَهُ يُرَدُّ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْوَاقِعَ فِي قَبُولِهِ كَانَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الَّذِي اُتُّفِقَ عَلَى قَبُولِهِ فَيُشْتَرَطُ تَأَيُّدُهُ بِالْقِيَاسِ كَالْقِسْمِ الْخَامِسِ عِنْدَنَا إلَّا أَنَّ هَذَا الْمِثَالَ وَهُوَ حَدِيثُ مَعْقِلٍ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا وَيَتَأَكَّدُ بِالْمَوْتِ كَمَا يَتَأَكَّدُ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ يَنْتَهِي النِّكَاحُ الَّذِي هُوَ عَقْدُ الْعُمْرِ وَالشَّيْءُ إذَا انْتَهَى تَقَرَّرَ كَانْتِهَاءِ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَطْءُ؛ وَلِهَذَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَيَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْفَرْضِ وَبِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا إلَى أَنْ مَاتَ الزَّوْجُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ رَجَعَ إلَيْهَا سَالِمًا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَبِمَنْزِلَةِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ وَجَبَ رَدُّهُ بِهِ فَعَلَى هَذَا كَانَ، قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْمَلْ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْقِسْمِ إلَى آخِرِهِ بَيَانًا أَنَّ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمِثَالِ لَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَذَلِكَ وَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِهَذَا الْقِسْمِ بِهَذَا الْمِثَالِ الَّذِي هُوَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَلَوْ جَعَلْت اسْمَ الْإِشَارَةِ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَذَلِكَ لَا يُلَائِمُهُ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْلُو الْكَلَامُ عَنْ نَوْعِ اشْتِبَاهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُ وَقَدْ رَوَى أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ أَيْ عَنْ مَعْقِلٍ الثِّقَاتُ أَيْ الْعُدُولُ مِثْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ وَعَلْقَمَةُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْقَرْنِ الثَّانِي فَثَبَتَ بِرِوَايَتِهِمْ عَنْهُ وَعِلْمِهِمْ بِهِ عَدَالَتُهُ دَلِيلٌ ثَانٍ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ.

وَقَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ أَيْ مَعْقِلًا مِنْ قَرْنِ الْعُدُولِ دَلِيلٌ ثَالِثٌ، وَإِشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إنَّ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ فِي الْكُفْرِ وَالصِّبَا لَا تُقْبَلُ فَكَذَا رِوَايَةُ مَجْهُولِ الْحَالِ فِي الْفِسْقِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَصْلٌ بِشَهَادَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَوَجَبَ التَّمَسُّكُ بِهِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ مُعَارِضٌ يَنْقُضُهُ فَأَمَّا الصِّبَا وَالْكُفْرُ فِي مَجْهُولِ الْحَالِ فِيهِمَا فَأَصْلٌ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا بِيَقِينٍ يُعَارِضُهُ فَيَفْتَرِقَانِ.

قَوْلُهُ (فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ حَدِيثُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ السَّلَفِ إلَّا الرَّدُّ) فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُتَّهَمُونَ بِرَدِّ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِهِ وَتَرْجِيحُ الرَّأْيِ بِخِلَافِهِ عَلَيْهِ فَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى الرَّدِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ اتَّهَمُوهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ قَالَ الرَّاوِي أَوْهَمْت لَمْ يُعْمَلْ بِرِوَايَتِهِ فَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ مِمَّنْ فَوْقَهُ وَهُوَ رَدُّ الْفُقَهَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ أَوْلَى كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ مُنْكَرًا وَمُسْتَنْكَرًا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ لَمْ يَعْرِفُوا صِحَّتَهُ وَهُوَ دُونَ الْمَوْضُوعِ فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثًا مِثْلَ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ» فَوَضَعَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لِمَا كَانَ يَدْعُو إلَيْهِ مِنْ الْإِلْحَادِ وَالزَّنْدَقَةِ وَيَدَّعِي التَّنَبُّؤَ فَأَمَّا الْمُنْكَرُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حَدِيثًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ فَكَوْنُهُ مَوْضُوعًا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لَهُمْ أَيْضًا فَكَانَ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي صَادِقًا فِي الرِّوَايَةِ وَلَكِنَّهُ مَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَا فِي حَقِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>